كتبت لبنى الجابي :
قصص داعش وحكاياتهم المخيفة كانت تملؤني بالخوف والاستغراب مما آل اليه اسلامنا الحنيف الذي جاء ليصل بالانسان الى حالة السلام ، كنت ابحث عن الدواعش في عصر الرسول العظيم ولكنني لم اجد لهم اثرا بين من بايعوا رسول الاسلام وتحملوا معه اقسى الصعاب والاضطهاد ، ولم يفكروا بالتخطيط لخطف فلان او تفجير علان او الحكم على معارضيهم بالفناء .
ومنذ ايام كنت ابحث عن كتاب معين لانزله من النت لاقرأه، رغم ان القراءة من الكتاب الورقي اكثر حميمية الا ان مانمر به من ازمات مادية وروحية يجعلنا نبحث عن المصادر المجانية ، لفت نظري على موقع للكتب رواية ثلاثية غرناطة للاديبة الراحلة رضوى عاشور ، فانزلتها ورغبت ان اغوص في رواية ما عوضا عن الكتب البحثية التي كنت اغوص فيها ، رغم انني قلما تستهويني رواية لاقرأها انما قلت لنفسي فلاعطي لذهني فرصة مختلفة ، وبدأت بالقراءة ورأيت نفسي اغوص فيها واعوم وكأنني في بحر من المعلومات التي كنت افتقر حقا اليها ، لقد سرقتني الكاتبة المبدعة الى قرون محاكم التفتيش الاسبانية ،وزمن سقوط الاندلس ، وذلك برواية مسبوكة بشكل مبدع تجمع بين الحقائق التاريخية والسبكة الدرامية ، ووجدت نفسي شبه جاهلة بما حصل في تلك السنين العجاف من تاريخ العرب المسلمين الذين حملوا الحضارة والفن والمدنية والرقي لشعب همجي فطردهم شر طرد تكتب بالسواد على جبينهم ، رواية نقلتني مئات السنين للوراء لاعيش مع ابو جعفر الوراق الذي مات كمدا وهو يراقب كيف حرقت اثمن الكتب من قبل الاسبان الدواعش ، جمعوها في حي البيازين في غرناطة حيث كان يقطن مع عائلته منذ مئات السنين وحرقوها ببرود اعصاب وهمجية ضمن حملة للقضاء على كل ماهو عربي ومسلم ، وعشت مع حفيدته سليمة التي كانت مولعة بالقراءة والعلم وتعلمت مداواة الامراض بالاعشاب ونهلت من كتب المعلم ابن سينا وغيره من نجوم العلماء المسلمين فاتهموها بالهرطقة والسحر وحكموا عليها بالموت حرقا وحرقت سليمة ، ان افعال الاسبان الهمجية التي مارسوها بعد الاستيلاء على الاندلس لايمكن وصفها الا بالداعشية ، لقد عاش العرب المسلمين في تلك الفترة معاناة مأساوية ، رحل الكثير الى المغرب ولكن هناك من بقي ورفض ان يرحل فهو لم يعرف في حياته ارضا اخرى عاش في هذه الارض مئات السنين ، ورضي بان يبقى ولو باسم اسباني وباخفاء لغته ودينه وبحضور القداس يوم الاحد في الكنيسة بقلب منافق يحمل الاسلام في داخله ويتظاهر بالمسيحية لانها ارادة الحكام الجهلة الداعشيين ،يقول علي في الرواية :” يزدروننا ، ولم يكن سيدهم روميا ولا كان له عينان زرقاوان ؟ بعث الله في عباده عيسى المسيح . … . ما علاقة هذا الصليب بجيوش خوان دي استوريا وذبح اهالي البشرات ؟ ماالعلاقة بين الوجه الشاحب والرأس المائل بتاج الشوك ، وما نحن فيه من عذاب ؟ واي رابطة تربط الجسد العاري النحيل لمسيح تبكيه امه ، بالاسياد وملاك الارض والضرائب والمكوس والملك وديوان التحقيق؟!” حقا لقد كان الدين في واد واللذين يتولونه في واد آخر انها الداعشية عبر العصور ،ونعيشها هذه الايام نتيجة جهلنا وتخلفنا وابتعادنا عن الهنا الحقيقي ، لاادري انها حقا رواية رائعة وكما قالت فريدة النقاش : “حين ينتهي المرء من قراءة غرناطة لابد ان تعتريه قشعريرة في الروح ” وكما قال جابر عصفور ” غرناطة رواية المقموعين حيث يصبح مجرد البقاء على قيد الحياة بطولة في عالم عدواني يقمع تاريخا كاملا”
لقد جعلتني هذه الكاتبة اتبحر بقراءة لمحات تاريخية عما حصل في تلك الفترة في الاندلس ، ووجدت كم نجهل تاريخنا وكم نغوص بما يرغبون ان نغوص فيه ، فلا اجد على منابر التواصل الاجتماعي( كما يدعونه ) سوى النفاق والتجمل الكاذب ، كل يرغب بان يسوق لنفسه على غير حقيقته ، ويبيع افكار مستوردة يسرقها على عجل من هنا وهناك ويظن بنفسه بانه قد اصبح باحثا ومفكرا ويصدق ذلك ويمشي فيها ويستاء ممن يصحح له او ينتقده لانه صدق بانه اصبح مفكرا وباحثا ومتبحرا ……
رواية غرناطة جعلتني اعيش قبل مئات السنين حياة اخرى مختلفة ، استيقظت منها وانا اشعر بالقشعريرة حقا في روحي واسأل نفسي كيف تتولد الدعشنة في النفوس ؟؟