لبنى الجابي:
ربما تكون القراءة ادمان وعشق ولكن ان تقرأ اربعة او خمسة كتب معا يصبح الامر هاجسا ، امتلأ دفتري السميك بالملاحظات التي انقلها من هذه الكتب ، وصرت اضيع بين ملاحظات كتاب واخر فكثرت العلامات الملونة الصغيرة التي تقفز من اعلى الدفتر ، هذا الولع تولد بسبب هذه الايام العصيبة التي نمر بها حيث نمضي اوقات كثيرة بلا كهرباء ، النزهات شبه معدومة ، انتظار وانتظار في كل مكان ، اضع بعض الكتب عالموبايل ولا اتوانى عن القراءة وانا انتظر سواء ابنتي لتخرج من الجامعة او في عيادة طبيب او اي مشروع انتظار اخر ، هذا الهاجس سبب لي بعض الاحساسات المضحكة فمنذ فترة اجتمعت مع بعض صديقاتي اللواتي لم التق بهن منذ سنوات ، وكنت مسرورة جدا بهذه الجمعة الا انه كانت الافكار تتزاحم في رأسي تود التسلل والهروب وصرت اشعر بحاجة ملحة لاحكي لصديقاتي عن الف سنة كان العرب الفينيقيون سادة العالم وصلوا لاميركا التي يظن كولومبوس انه اكتشفها ، وتكررت رحلاتهم لتلك البلاد التي كانوا يدعونها بالجزر النائية وتركوا فيها اثارا اكتشفت منذ فترة حتى ان حضارة المايا الشهيرة متأثرة لحد بعيد بهم وكان سكان تلك البلاد يؤلهون الابيض الغريب ذو اللحية الذي حمل لهم العلوم الغزيرة والبضائع الثمينة ، كنت اشعر بنشوة وهذه الافكار تتسلل وتتدافع تود الهروب وتختلط بحكايات سقراط الحكيم الذي كان دائم السعي وراء الحقيقة فكان مضطرا لمناقشة الكثير من المعتقدات والتقاليد المسلم بها الامر الذي اكسبه الكثير من العداوات ،كنت اتخيله وهو يناقش هيئة المحلفين في المحكمة ويقول لهم بان قيمهم الاخلاقية معتمدة على افكار غير صحيحة لقد اخبرهم انهم بالوقت الذي من المفترض ان يهتموا بنقاء ارواحهم كانوا يبدون الاهتمام فقط بعائلاتهم واعمالهم ومسؤولياتهم السياسية ، ان اعتقاده هذا واقتناعه بان الالهة قد اختارته كرسول سماوي كانا مصدر ازعاج للاثينيين ان لم يثيرا سخريتهم هذه حال كل مرسل سماوي اذ لابد ان يسخر منه قومه ولكنه في النهاية يحدث تغييرا كبيرا في المجتمع الذي كان فيه ويترك بصمته لمئات السنين ، كنت استمع لاحاديث صديقاتي ولكن كانت نشوة الافكار تطغى على كل متعة ، كونفوشيوس توفي عندما كان سقراط بالعاشرة من عمره ، سبقه بالزمان وكان بمكان بعيد باقصى الشرق ، وكان يرى ان القاعدة الاساسية التي تقوم عليها اخلاق الرجل الاعلى هي العطف الفياض على الناس جميعا وايضا كان يشعر بان السماء استودعته رسالة لبراء العالم الصيني من اوجاعه وامن ان السماء لن تخذله وفي ذات مرة اظهر استهجانه لعدم ثقة احد به لكنه اضاف بان السماء تفهمه ، يؤلمني حقا ان يتهمه البعض بالالحاد ، بودي ان اصرخ بان الله رب العالمين منذ عهد ادم عليه السلام لم يترك عباده ولا هنيهة ومازال يرسل الرسل واحدا اثر الاخر ليحدثوا تغييرا بمجتمعاتهم ويبرؤوها من امراضها التي تؤخرها عن معرفة سر الخلق والخالق وقدقال سبحانه:"وان من امة الا خلا فيها نذير". لقد كانت تعاليم كونفوشيوس ذات تأثير عميق في الفكر والحياة الصينية والكورية واليابانية والتايوانية والفيتنامية حتى انه يلقب بنبي الصين .لن ادع بقية من قرأت عنهم يتسللون من رأسي سواء بوذا او زرادشت او حمورابي او حتى غلغاميش ، انما هناك فكرة بدأت تترسخ في رأسي بان كلما بدأت حضارة ما بالاشعاع فلابد ان يكون في بدايتها من دعا الى نقاء الاخلاق والنفس والروح ، ان هؤلاء الرسل السماويون هم اشارات تدلنا الى الطريق الحقيقي الذي ماان نبدأ بالابتعاد عنه ونسيانه حتى تبدأ حضارتنا بالافول ، وصدق شوقي عندما قال:
انما الامم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا