جمع التقاء الموسيقا، والفن التشكيلي، والفكر، والرواية، والقصة، والشعر، صورة منسجمة في المشهد الثقافي السوري في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة في دمشق، ليكون بوابة لدروب متعددة من الإبداعات السوريّة تلتقي في أسبوع تتناغم فيما بينها ويحييها أهلها ومرتادوها للارتقاء فيها بكلّ محبة وإخلاص، وسيتم تكرار تجربة الملتقيات الثقافية هذه في بداية كل شهر ضمن أشهر العام الجديد 2017. وقد جاءت هذه الملتقيات والفعاليات برعاية وزير الثقافة محمد الأحمد، لنخرج بجملة مهمة من النشاطات، والحراك الثقافي، دليل رغبةٍ في التعافي والانطلاق في بناء لبنة جديدة.
الافتتاح
كان للإعلامي جمال الجيش حضوره الجميل، في التعريف بالفاعليّة وافتتاح اليوم الأول منها، والذي خُصص للموسيقا، وسبقه المعرض التشكيلي، وفي هذا الافتتاح عرّف بالملتقى، وأهميته، والهدف منه، وبالأيام التالية له، التي يختصّ كلّ منها بنوعٍ من أنواع الثقافة والفنون. بدأت الملتقيات بالمعرض الفني التشكيلي الذي أشرف عليه الفنان أكسم طلاع، وشارك فيه نخبة من الفنانين التشكيليين، وقد تميّز بحضور لوحات لكبار الفنانين، والشباب الذين منهم من يشارك لأوّل مرّة في لوحته ضمن معرض تشكيلي جماعي، فكان فيه مستويات متعددة، منها الاحترافي، ومنها ما يمكن وصفه بالتجربة الأولى، وقد افتتح المعرض معاون وزير الثقافة علي المبيض، ومدير ثقافة دمشق حمود الموسى، وعدد كبير من المسؤولين والمثقفين والفنانين وجمهور من الصحافة والإعلام والمهتمين.
ثمرة الحوارات
يبدو أن المشهد الحاصل في الملتقيات الثقافية كان بجمهوره وبمحبي النشاطات تلك جميلاً وواعياً في احتفاء بهذه التظاهرة، فلهذه المجالات عشّاقها ومحبّوها، ولاسيما أن انتصار حلب رفع من المعنويات فقد تزامن الحدث مع النهضة الثقافيّة في هذه الملتقيات. هذا النشاط هو ثمرة الحوارات بين الناشطين والمثقفين؛ وقد أطلق فيه مدير ثقافة دمشق حمود الموسى المبادرة باسم المديرية من منبر المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، وفي البداية كانت له هذه الكلمة: «يسرني وأنا بينكم أن أعلن، وعلى توقيت حلب النصر، إطلاق ملتقيات دمشق الثقافيّة، هي محاولة متواضعة لنزيد قليلاً مساحة الأفق، ونأخذ بيد الياسمين، هي محاولة متواضعة لننقص قليلاً مساحة الظلام، ونأخذ بيد النهار، هي محاولة متواضعة لفتح نافذة على الموسيقا، على الشعر، على الأدب، على الحياة، وتظلّ دمشق هي دمشق بجبينها الذي تعرفون».
حجم ثقافة السوري
أخذت الثقافة نصيباً مهماً من الاهتمام بها على المستويات الرسميّة، لكن هذا الاهتمام يجب أن يرقى لمستوى جماهيري واسع، فالاستغراق باستهلاكيّات الحياة أبعد الناس عن الثقافة وعمقها، واليوم تغدو المهمّة أكبر علينا سواء في المسؤوليّة الرسميّة أم الجماعيّة للجمهور، فحجم الدمار الحاصل، وحجم البناء المترتب، سيحتاج منّا العمل على كل المستويات حتى نجتمع معاً من أجل مسابقة الزمن لتطوير حياتنا، ومن دون الثقافة لن يكون ذلك. كلمة وزير الثقافة ممثله بمعاونه علي المبيّض في أول نشاط له بعد استلامه للمهمة، وقد جاء في هذه الكلمة: «خلال عام 2013 أصدرت منظمة اليونسكو قائمة تضم أقدم 10 مدن في العالم ما زالت مأهولة حتى اليوم، واحتلت المرتبة الأولى في هذه القائمة مدينة حلب، وقدّرت المنظمة عمرها بحوالى 12 ألف عام، في المرتبة الثالثة دمشق بعمر 9.500 عام، وفي الخامسة اللاذقية، وعمرها 7 آلاف عام، وفي التاسعة الرقة بعمر 5آلاف عام. إذاً 4 مدن سورية من أصل 10 مدن هي الأقدم عالمياً. خلال هذه الفترة الزمنيّة الطويلة تعاقب على هذه الأرض الطيبة العديد من الحضارات كالأموريين، والفينيقيين، والآشوريين، والإخشيديين، والإغريق، والآراميين، والرومان، وغيرهم، وكلّ حضارة عكست ثقافة معينة اختزنها السوري في ذاكرته، وأصبح المخزون الثقافي لدى الشعب السوري مخزوناً ثقافياً هائلاً، متنوعاً كتنوع الحضارات العديدة، التي توالت خلال الفترة الزمنية التي ذكرتها، وعمدت وزارة السياحة، وهذه أهم أهدافها، لترسيخ الثقافة الحقيقية، التي تميّز الشعب السوري الأصيل الطيب الودود المضياف، والتي كانت سورية ومعظم مدنها، هي محطة مهمة لطريق الحرير القديم، الذي ينقل القوافل التجارية من الشرق إلى الغرب، وكانت سورية مفترق الطريق للقوافل التي تتجه شمالاً إلى أوروبا، وقوافل تتجه إلى شمال إفريقيا والجزيرة العربية، وكل قافلة تحمل بالإضافة للبضائع، تراثاً، وثقافةً، وخبرةً أضافت للسوريين هذا المخزون الثقافي الذي نتكلم عنه، وتأتي ملتقيات دمشق الثقافيّة، برهاناً واضحاً، ودليلاً، وبعد سنوات اقتربت من الست في حربٍ قذرة، على أن السوري ما يزال محباً للحياة، ويمدّ جسوراً للتواصل مع الآخرين، من خلال ثقافاته المتعددة التي اختزنها في ذاكرته».
ثلة المشاركين
نخبة من المثقفين والنقاد والمفكرين أشرفوا على هذه الملتقيات ففي الموسيقا كان الإشراف لـ أ. أحمد بوبس، مع حضور مجموعة من الفنانين أغنت الملتقى الموسيقي حضوراً ومشاركةً منهم نبيل أبو الشامات وهادي بقدونس وعصمت رشيد ورامي الحاج حسن ونهى عيسى وبديع بغدادي وغيرهم، وفي الملتقى الفكري الذي رفع شعاره «الوعي الجديد وتحديات الهوية والانتماء» أشرف عليه د.هاني الخوري وبمشاركة د.محمد سعيد الحلبي، ود.كريم أبو حلاوة، وأ.يونس صالح، وملتقى السرديات «قصة – رواية» في نشأة الرواية العربية بإشراف د.عاطف البطرس وبمشاركة د. نذير جعفر، ود. غسان غنيم، والملتقى الشعري والشاعر الكبير بدوي الجبل احتفاءً بصدور ديوانه عن وزارة الثقافة، وكان الملتقى بإشراف الشاعر صقر عليشي، وبمشاركة د. وفيق سليطين، ود. سعد الدين كليب، والملتقى التشكيلي وندوة بإشراف الفنان أكسم طلاع عنوانها دور الأكاديمية في الفن التشكيلي السوري- رؤى مختلفة، والمشاركون: د.علي سرميني، والفنان أنور الرحبي. بالتعاون مع جمعية النقد والبحوث التشكيلية في اتحاد الفنانين التشكيليين، بالإضافة للمعرض التشكيلي الذي أشرنا إليه سابقاً.
توثيق وتأكيد
التقينا على هامش الفعاليّات الأستاذ أحمد بوبس الذي بدوره تحدث عن الملتقى الموسيقي في اليوم الأوّل: «الهدف من الملتقى الموسيقي نشر وعي موسيقي بين الناس، ولذلك حرصنا في البرنامج على ذكر اسم كلّ عمل من كاتب، وملحن، ومغن، والمؤدي أو العازف، كنوع من التوثيق وتأكيد تعب الجميع وحقهم في التعريف بهم، وفي الملتقيات القادمة سيكون هناك ترتيبات جديدة كأن نركز على شخصيّة من شخصيّات الفنانين السوريين، فنقدّم عنه تعريفاً، في مسيرته، وأعماله، ثمّ نقدم شيئاً منها أمام الجمهور».
آلة الطنبور
كان من بين المشاركين في ملتقيات دمشق الثقافيّة، رامي حاج حسن الموسيقي الوحيد، الذي يعزف على آلة الطنبور، والذي قدّم كلمة قصيرة عن الآلة، وعرف بها، وبتاريخها، فقال: «سمّى الفارابي هذه الآلة بالطنبور الخراساني، ولكن من خلال بحثي تبيّن لي أنها هي آلة سورية قديمة جداً، يعود عهدها إلى عشرات آلاف السنين، والفارابي عمل دراسات على نوعين من الطنابير، واحد منها هو هذا الطنبور الخراساني، الذي انتشر بكثرة في إيران، وله قدم عريق في سورية، ومع مرور الوقت اندثرت هذه الآلة، ولكن اليوم لي الفخر بأنني أعمل على عودة هذه الآلة، وأعرف الناس عليها، وأعزف عليها، وأطور فيها أيضاً».
جمع الأجيال معاً
قدمت أيضاً مديرة المركز الثقافي العربي في أبو رمانة رباب أحمد تصريحها لـ«الوطن»، وفيه: «الملتقيات الثقافية هي لقاء ثقافي يجمع أهم الفنون، وأطياف الثقافة، ضمن ملتقيات، تتوزع على أيام، ففي كلّ يوم ملتقى خاصّ في نوع من أنواعها، وفي اليوم الأول لدينا معرض للفن التشكيلي يليه افتتاح الملتقى الموسيقي، ويليه ملتقيات فكرية في الثقافة والقصة والشعر والفكر. أمّا الهدف منها فهو تنشيط الحياة الثقافيّة في حياة السوريين. جاءت انطلاقتها من المركز الثقافي العربي في أبو رمانة؛ لأنه أعرق المراكز في سورية، وأكثر مركز ثقافي ناشط من بينها، وسيتم في كلّ بداية شهر انطلاق ملتقى مختلف في مركز ثقافي من المراكز الأخرى، والنشاط لا يقتصر فقط على الرواد، فهناك شباب جدد، واهتمام بمن حضر بقوة في المشهد الثقافي في سورية، بالإضافة للشباب المهتم والنشيط، فنحن نعمل على جمع الجيلين معاً».
الوطن