قبل حلول شـهر رمضان الفضيل بأيام قليلة، استنفرت أجهزة الدولة والحكومة، وبرزت في الصحف وبقية وسائل الإعلام، عناوين لافتة وغريبة؛ الحكومة تسعى لتأمين كافة المستلزمات للشهر الفضيل؛ جمعية حماية المستهلك تسعى لكبح غلاء الأسعار؛ خطة رقابية استعداداً لشهر رمضان.. إعادة بناء الثقة بين أطراف السوق جزء من علاج فوضى الأسعار؛ صغار التجار يـشتكون من جشع واحتكار كبارهم! ارتفـاع الأسعار يهدد المحال التجارية في الأحياء الشعبية بالإغلاق؛ آلية مشتركة بين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وغرفة تجارة دمشق لضبط أسعار السلع والاستعدادات لشهر رمضان… الخ.
هذه العناوين وغيرها، ومثلها كثير، تشير إلى عدة أمور، جميعها لا تعكس أن مجتمعنا بخير؛ أولاً، تجعلك تشعر وكأننا قادمين على كارثة خطيرة مثل زلزال ماحق أو عاصفة طويلة أو حرب كارثية، وليس شهراً فضيلاً مباركاً هو شهر التقوى والصلاة والصوم والتخفيف من الإدمان على الطعام والشراب وتحسس شـعور الآخرين من الفقراء وأصحاب العوز والحاجة والمحرومين، والمهجرين. والحقيقة أنّ هذه العناوين، لم تأت من فراغ، فإن تجارب السنوات الماضية تؤكد وجود الجشع عند الكثيرين وتؤكد حصول الغش والغلاء والاحتكار من التجار والباعة.
ثانياً، إن اهتمام المؤسسات الحكومية والوزارات وهيئات رقابة الأسعار بهذه التفاصيل ونحن في خضمّ حرب مستمرة على بلدنا منذ ست سنوات، يجعلنا نتساءل عن مدى إحساس الكثير من الناس بمضاعفات هذه الحرب، وهل هم حقاً يشعرون بمعاناة إخوانهم وجيرانهم، الفقراء والمحتاجين والمهجّرين وكل فئات الشعب الذي يعاني ويُقتل ويموت.. ؟! بل نتساءل أي مستوى أخلاقي أو إيماني أو روحي ذاك الذي يجعل التاجر أو البائع يفكّر ويعمل على رفع الأسعار والتلاعب بها، أو غشّ المواد الغذائية في بداية الشهر المبارك من كل عام؟ هل هـو من الإسـلام في شيء..؟! أين خشية الإيمان ويقظة الضمير والشعور بوجود الله تعالى، أم هناك فتاوى أيضاً تبيح الاستغلال والجشع..؟!
ثم نسأل عن مدى الضرر الذي يسببه البائع أو التاجر للصائم/ المواطن من خلال بيعه له مواد غذائية مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو أسعارها مضاعفة؛ كيف أن إيمانه وصلاته لم ينهيانه عن غشّ وخداع إخوانه المؤمنين الصائمين، وكيف آذى صيامهم وحرمهم من تأمين مواد كثيرة يحتاجونها، أو تسبب بحصولهم على مواد غذائية مغشوشة يتناولونها في افطاراتهم؟!.. أي إيمان ذاك الذي في قلبه وأي صلاة تلك التي يقوم بها..؟!
إن الكثيرين من الأهالي والفقراء والمساكين صاروا يتهيبون قدوم الشهر الفضيل، حتى لا نقول يكرهون ذلك، بسبب الضغوط والمعاناة والحاجة التي يسببها الآخرون لهم في هذا الشهر تحت أشكال ومسميات عدّة.. حتى صار من حقنا أن نسأل، والواقع هكذا، هل شهر رمضان للصوم وحسن الإخوّة والمعاملة الحسنة واللطف بالآخرين وإصلاح النفوس وإخضاعها ومنعها عن الشهوات(مع أنّ هذا يجب أن يكون دائماً وليس في الشهر الفضيل فقط)، أم للجشع والطمع وزيادة الضغائن والأحقاد وجمع الثروات ومراكمتها على حساب الفقراء والمحتاجين..؟!
sns