استيقظت حلب صباح أمس على هجوم إرهابي غير مسبوق نفذته عدة مجموعات إرهابية من محاور مختلفة حيث أمطرت الأحياء المدنية بمئات القذائف والصواريخ، أحدها أصاب مشفى الضبيط التوليدي ودمر أجزاء منه مخلفاً عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى ومنهم رضع.
ولأول مرة، يتواجد في حلب مسؤول سوري رفيع هو الأمين القطري المساعد لحزب البعث هلال الهلال حيث قام بمتابعة سير العمليات العسكرية والإسعافية وتفقد الجرحى والأضرار.
ومع هذا الهجوم العنيف وغير المسبوق على عاصمة الشمال، تكون الرياض وبالتعاون مع شريكتها في الإرهاب أنقرة قد «تمردت» على تعليمات واشنطن بعد يومين فقط من لقاء في جنيف جمع وزير الخارجية الأميركي جون كيري بنظيره السعودي عادل الجبير، وطلب خلاله الأول من الثاني لجم المجموعات الإرهابية في حلب والالتزام بوقف العمليات القتالية والعودة إلى طاولة الحوار، وتم الاتفاق على هدنة تبدأ في الثانية عشرة من ليل أول من أمس، إلا أن الأخير، معتمداً على الدعم التركي والإسرائيلي تمرد على الاتفاق الروسي الأميركي وأعطى إشارة البدء لاجتياح حلب وقتل أكبر عدد ممكن من سكانها وحتى الرضع منهم.
وفي موسكو التي كان يزورها المبعوث الدولي الخاص بسورية ستيفان دي ميستورا وعقد اجتماعاً مع وزير الخارجية سيرغي لافروف، كان رد الفعل الروسي غاضباً تجاه خرق الاتفاق الدولي للتسوية، حيث طالب لافروف بضرورة إغلاق الحدود التركية السورية لوقف تدفق الإرهابيين والسلاح، مؤكداً أن موقف بلاده متفق مع موقف واشنطن.
وقال لافروف: إن جهوداً تبذل لتثبيت الهدنة في حلب إلا أن المجموعات الإرهابية زادت من قصفها للمدينة بعد تصريحاته، وأضاف: إن «مواقف بعض مجموعات المعارضة غير مقبولة وغير بناءة وتهدم التسوية السياسية للأزمة في سورية».
ميدانياً، بدد الجيش العربي السوري أحلام فصائل المعارضة المسلحة بقيادة جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سورية، وحطم أجندة داعميهم بتحقيق خرق ميداني في جبهات حلب الغربية.
السيناريو الذي رسمته استخبارات تركيا والسعودية وقطر واستبق قراراً محتملاً لهدنة توقف العمليات القتالية بحلب، بدأ بتفجير نفق تحت الأرض في محيط مستديرة المالية بجمعية الزهراء شمال غرب المدينة، تلاه هجوم رأس حربته النصرة وضم عناصر من ميليشيات «أحرار الشام الإسلامية» و«نور الدين الزنكي» و«جيش الإسلام» وفصائل مسلحة أخرى، واستخدم فيه أكثر من 100 قذيفة طالت الحي، لكن الجيش استوعب الأمر بسرعة وحال دون تقدم المهاجمين، بحسب مصدر ميداني لـ«الوطن».
وسرعان ما أشعل المسلحون جبهات أخرى امتدت على كامل القوس الغربي للمدينة بغية فتح ثغرة في خطوط التماس لتعديل الخريطة الميدانية لصالحهم بدءاً من جبهة معامل الليرمون باتجاه شيحان والخالدية مروراً بمحور المخابرات الجوية ومستديرة المالية وجامع الرسول الأعظم بحي الزهراء ثم جبهة الفاميلي هاوس في منطقة الراشدين الأولى أقصى غرب المدينة وصولاً إلى محور البحوث العلمية عند المدخل الغربي لها على تخوم حلب الجديدة فمحور قرية منيان وصولاً إلى ضاحية الأسد والراشدين الرابعة جنوب غرب المدينة.
الجيش تعامل بحنكة وقوة مع الجبهات المشتعلة ورد الصاع صاعين، مستعيناً بسلاحي المدفعية والطيران الحربي في ضرب أهداف المهاجمين وتجمعاتهم وأرتال إمدادهم من ريفي حلب الغربي والشمالي ومن أرياف إدلب.
وعاشت حلب أكثر الأيام دموية بفعل الهجمات وقذائف الإرهاب، التي لم تستثن أياً من الأحياء الآمنة وخصوصاً السريان القديمة وشارع النيل ومساكن السبيل والموكامبو والشهباء الجديدة والحمدانية والجميلية ومحيط جامع الرحمن والميدان والزهراء وحلب الجديدة.
وتفاخر ما يدعى لواء «شهداء بدر» المتمركز بحي بني زيد بإطلاق صاروخ محلي الصنع من نوع «حمم» على مشفى الضبيط الخاص بالتوليد، ما خلف دماراً كبيراً في المشفى ومحيطه، كما لحقت أضرار في المشفى العربي الطبي بشارع النيل ومحيط مشفى الرسالة بالمحافظة.
ونالت حالة الرعب من طلاب جامعة حلب الذين أصابت الطلقات المتفجرة من المسلحين أكثر من 7 منهم، كما خلت الكثير من الشوارع من المارة إثر سقوط الشهداء والجرحى من المدنيين الذين قدر عددهم بأكثر من 150 جريحاً، وفق مصادر طبية لـ«الوطن».
على خط مواز، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس عن أمله في إعلان عن «وقف لإطلاق النار» في حلب «خلال ساعات»، ولفت إلى اتفاق روسي أميركي بشأن ذلك، وكشف عن تشكيل «مركز روسي أميركي» مشترك للرد السريع على انتهاك نظام «وقف إطلاق النار»، في حين أعرب المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا عن تفاؤله بإعادة إطلاق نظام «وقف الأعمال القتالية» في سورية.
من جانبه، أدان بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أغناطيوس أفرام الثاني، أمس، الجرائم التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية بحق أهالي مدينة حلب، وطالب الضمير العالمي ببذل الجهود لإعادة السلام إلى هذه المنطقة.
الوطن