«من الأفضل في بعض الأحيان أن تُترَك الآثارُ كرفاةٍ على أن يتم إصلاحها» بهذه الجملة بدأ جوناثان جونز مقاله في الغارديان والذي تحدثت فيه عن تدمر.. “الآثار الشامخة”، وما آلت إليه بعد أن فعل داعش ما فعله بها.
استهلت جونز مقالتها بقول لمدير الآثار السوري جاء فيه: “يجب ألا تنهض تدمر مجدداً، يجب ألا تُبدّل بنسخة مزيفة بدلاً عن نسختها الأصلية السابقة. إنما وبدلاً من ذلك، يجب أن نحافظ على ما تبقى من هذه المدينة التاريخية القديمة بعد دمارها من قبل داعش، حيث كان رحيماً أكثر مما كان يتوقعه الكثير من الناس، وذلك بأمانة وإحساس يليق بمثل هذا الكنز التاريخي “.
تقول الكاتبة إن تدمر “هذا الموقع السوري الاستثنائي” وبعد سيطرة داعش عليه في العام الماضي، تم تفجير بعض من أكثر نُصبه الجميلة بطريقة وحشية، حيث نفذ داعش أعمالاً وحشية ولا إنسانية وسط سنائها وعظمتها.. الجيش الإرهابي وبأفعاله “أعطى تدمر شهرتها وجعلها معروفة لدى الجميع”.
وتضيف: “إذا انتهت المأساة السورية، وإذا كان هناك سوريا آمنة في مكان ما من المستقبل، فإن السياح سوف يقصدون المدينة التي تُرى الآن كمثال يشبه بومبي الصحراء. ولكن, ماذا سوف يجدون؟ بالتأكيد سوف يجدون الخراب.. تدمر كانت خراباً قبل أن تسيطر عليها داعش، وهي ما تزال خراباً اليوم، تلك هي طبيعة المدن القديمة. ميسيناي.. ماتشو بيتشو.. والمسرح الروماني، لا مكان منها كامل بصورته الأصلية. إنما يكمن الجو والصفة الحسية الخاصة بها بالأثر التاريخي، والطبيعة والفترة الزمنية التي تمثلها تلك الأماكن”.
وفي مقارنة بين تدمر قبل داعش وتدمر اليوم كتبت: “كانت تدمر تحتوي على بعض الأبنية القديمة المحفوظة بشكل جيد، كان معبد بل منتصباً بشكلٍ مؤثر، معبراً عن الديانة العريقة للمدينة القديمة، عتبة وعمودان فقط صمدوا بعد أن تم تفجيره من قبل داعش في آب 2015.. قنطرة كُرّست للامبراطور الروماني سبتيميوس سفيروس قاومت بالمثل لقرون طويلة حتى تم هدمها بشكل وحشي في شهر تشرين الأول الماضي، كما تم طمس معبد بعل شمين أيضاً”.
وأضافت: “يتساءل علماء التاريخ، كيف يمكن لهذه الخسائر المريعة أن تعوّض بالشكل الصحيح والمناسب؟ يبدو أن هذا ما ينتظره العالم بأسره. ومع ذلك، قد يكون في ذلك مقاربة خاطئة.. الترميم فنّ حساس، والمسؤول عن حماية العصور القديمة عليه أن يُعنى بقبول الخسارة النهائية، حيث إن إعادة البناء قد تكون ضالّة”.
كما جاء في مقالها أن المهمة الأولى للعمل في تدمر هي تقييم حجم الأضرار بعناية فائقة جداً. بالتأكيد سوف تستغرق هذه المهمة العديد من السنوات للتدقيق في أنقاض الأبنية المهدمة بحذر ودقة مناسبتين، بحيث تجري مطابقة القطع الناجمة عن التهديم لمعرفة إذا كانت قد نجت قطع تكفي لإعادة بنائها، وفي حال كانت هناك نقوش وقطع من المباني قد نجت بكمية تكفي ليتم ترتيبها بصورة سهلة التمييز، عندها فمن المحتمل أن يتم إعادة تنصيب بعض الأبنية أو حتى أبنية بأكملها.. ذلك أمرٌ رائع، ومن جهة أخرى، يمكن أن يتم إخراجها لتحفظ بشكل صحيح أكثر في متحف ينشأ خصيصاً لهذه الغرض.
وكتبت أيضاً: “ما ليس شرعياً أبداً هو أن تتم إعادة بناء الصروح القديمة باستخدام مواد حديثة لتحل محل الأجزاء المفقودة، على الرغم من أنه بإمكان التقنيات الحديثة أن تجعلها تبدو وكأنها واقعية وأصلية”.
ولفتت الكاتبة إلى أنه “من المغري أن نستسلم لوهم أن كل دمار يمكن أن يتم إعادته لصورته الأولى في عصرنا اليوم، حيث الماسح الضوئي وصور الأقمار الصناعية والطابعات ثلاثية الأبعاد. ومع ذلك، فإن الدرس القاسي منذ ثلاثة قرون من علم الآثار الحديث، هو أن الإفراط في الترميم يؤذي الماضي”. وأضافت: “تم التنقيب في عن بومبي من قبل علماء حساسين، وحافظوا على لوحاتها بدون الإفراط في وضع لمساتهم عليها، أو حتى أن يقوموا بإكمال البيوت الرومانية، وبالمقارنة خلق عالم الآثار البريطاني آرثر إيفانس فوضى غريبة من خلال مبالغته في إعادة ترميم كنوسوس في كريت”.
إن إغراء إصلاح تدمر وجعلها تبدو كما كانت عليه في مطلع الـ 2015 أمرٌ مفهوم وفق الكاتبة.. لقد تعرض هذا الموقع الرائع لهجوم بربري، وبالتأكيد ينبغي أن يكون كما لو لم تفعل داعش فعلتها الأسوأ به.
واختتمت مقالها بالقول: “التاريخ ليس بهذا الشكل. هجوم داعش على تدمر ليس ضرباً من الخيال. مأساة القرن الحادي والعشرين هذه هي جزء من تاريخ تدمر الآن. وهذه أيضاً، يجب أن تبقى كما هي من أجل الحفاظ على حقيقة ما جرى لها، ولتبقى مثالاً يحتذى به في المستقبل”.