| شمس الدين العجلاني
وتتألق دمشق خلال أيام بمعرضها العريق الحضاري في دورته التاسعة والخمسين، في أرض المعرض على طريق المطار.
وينتفض طائر الفينيق من جديد ويعود إلى أهله وعشه وبلده.
لا ريب أن قصة وحكاية وأسطورة طائر الفينيق من الأساطير الأشهر في العالم. هي من ثقافة سكان سورية بمختلف أديانهم وطوائفهم حتى اليوم، إنها ذات طابع سوري محلي بامتياز.
طائر الفينيق طائر أسطوري آمن واعتقد به الشعب السوري – الكنعاني- أو الفينيقي.
هو طائر جميل، عظيم الجناحين، طويل العنق.. يزيِّن رأسَه تاجٌ من ريش يشع نوراً ذهبياً نارياً مبهراً ويكسو جسده ريش ناعم ملائكي ملون بألوان الطيف، له ذنب طويل من الريش الأحمر البرتقالي والأصفر وكأنه لسان نار… يعيش ويقتات على العطور والعنبر فإذا مرَّ من مكان ترك وراءه رائحة أحلى من رائحة المسك واللبان فتنتعش النفوس.
تقول الأسطورة: عندما احترق طائر الفينيق لم يغادر عشَّه مشاركاً أهل الأرض آلامهم وعذاباتهم، وتحوَّل إلى رماد. وبعد ثلاثة أيام دبت الحياة من جديد في رماده المُحترق، فنفَّض عن جناحيه الرّماد وعاد من جديد طائر الفينيق السوري رمزاً للخلود والبعث والتجدد… وليغمر العالم بأشعة نوره وحكمته… وهكذا هي سورية تنبض بالحياة وتنفض غبار الأيام وتتألق اليوم بمعرضها.. والقادم أجمل وأروع وسورية من رحمها خرج طائر الفينيق، وسورية كانت وستبقى أم الدنيا.
البداية
في عام 1953م صدر المرسوم رقم 14 الذي نص على إقامة دورة واحدة فقط لمعرض دمشق الدولي والتي أقيمت على أرض المعرض القديم عام 1954 ونظراً لما حققه هذا المعرض من نجاحات وفوائد تقررت إقامته بصورة دائمة بموجب القانون رقم 40 لعام 1955 والذي تضمن إحداث مديرية لمعرض دمشق الدولي وكان مقرها في شارع بغداد ويانصيب المعرض الخاص به.
يمتد موقع معرض دمشق الدولي القديم في وسط مدينة دمشق على أرض مساحتها كبيرة عرفت آنذاك بمرج الحشيش تمتد من جسر فيكتوريا ومتحف دمشق الوطني حتى ساحة الأمويين بمحاذاة نهر بردى.
أقيم المعرض عام 1954 واستمر لمدة شهر وفاق عدد زواره المليون زائر من مختلف الدول، شارك في الدورة الأولى للمعرض 26 دولة عربية وأجنبية إضافة إلى عدد من المؤسسات والشركات الصناعية والتجارية السورية. وقد كان افتتاح معرض دمشق الدولي الأول حدثاً دولياً اقتصادياً كبيراً حقق نجاحاً فاق التوقعات، وكان النجاح على المستوى الاقتصادي والتجاري وكذلك على المستوى السياحي.
من ذاكرة المعرض
يمر من أمام أرض معرض دمشق القديم يومياً عشرات الآلاف من الأشخاص ووسائل النقل المختلفة… ولم يخطر في بالنا التاريخ الطويل العريض لهذا المكان.. وكم من أمم وشعوب مرت عليه.. وحوادث ووقائع وقعت على أرضه.
أرض المعرض كانت وقفاً خيرياً للحيوانات، ومكان السيران الدمشقي، ومرجاً للعسكر والمبارزات، ومكاناً للعروض العسكرية.
أطلقت عبر العصور السابقة عدة تسميات على أرض معرض دمشق فقيل، هي وقف الخيل، والميدان الأخضر أو المرج الأخضر، وميدان السبق وميدان أتابك أو ابن أتابك، ومرجة الحشيش أو مرج الحشيش، وميدان الأبلق أو القصر الأبلق، وميدان القصر الأعلى، وميدان القصر الكبير… هو مهبط أول طائرة زارت دمشق.
قصص وحكايات يذكرها التاريخ عن قدم وعراقه أرض معرض دمشق الدولي القديم، شعوب وأمم وحضارات مرت على هذه الأرض.
وقف الخيول
الوقف لغوياً يعني الحبس أو المنع، واصطلاحاً هو «حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح»، ويختلف الوقف عن الصدقة في أن الصدقة ينتهي عطاؤها بإنفاقها، أما الوقف فيستمر العين المحبوس في الإنفاق في أوجه الخير حتى بعد الوفاة. وباختصار هو وضع أرض أو بناء من أصحابها للنفع العام من دون مقابل ويحدد الجهة التي تستفيد منها إن كانت بشراً أم حيوانات…. وكان نظام الوقف من أكثر أنظمة خدمة المجتمع شيوعاً حتى وقت قريب.
وأرض المعرض كانت وقفاً خصصها أصحابها للحيوانات المريضة والهرمة حيث كانت الخيول والحمير والبغال الهرمة توضع في شيخوختها في هذا المكان لترعى هناك من دون أن تعمل إلى أن تموت، وكذلك كانت الحيوانات المريضة توضع أيضاً في هذا المكان، وكان هنالك من يقوم على خدمة هذه الحيوانات الهرمة والمريضة.
وقيل إن هذه الأرض أوقفت للحيوانات منذ الزمن العباسي، ولكن أغلب أصحاب الشأن أشاروا إلى أن الواقف هو السلطان نور الدين محمود ابن زنكي المعروف بالشهيد.
ميدان الأبلق
أطلق على هذه الأرض زمن العصر الفاطمي اسم ميدان الأبلق أو ميدان القصر الأبلق، وميدان القصر الأعلى، وميدان القصر الكبير… وذلك نسبة إلى أشهر وأعظم قصر وجد في هذا المكان واسمه قصر الأبلق.
و قصر الأبلق هو قصر الإمارة الفاطمية، من أشهر القصور التي بنيت حول سور دمشق القديمة. وبني حوله مجموعة من المنازل والبيوت لعلية القوم، من الشيوخ والقضاة والعسكريين… خربت جميعها في فترة الاحتلال العثماني. وزمن السلطان العثماني سليمان القانوني أنشأ بأنقاضه التكية الموجودة والمعروفة حتى الآن التكية السليمانية.
ميدان أتابك:
أتابك هي كلمة مركبة من لفظين تركيين «أتا» أي الأب أو المربي، و«بِك» أي الأمير، فيكون معنى الكلمة «مربي الأمير» ثم صارت مع الأيام تستعمل لدلالات أخرى بينها الملك والوزير الكبير والأمراء البارزون الذين يمتون بصلة القرابة إلى السلاجقة والأمراء الأقوياء. كذلك أطلقت في عهد المماليك على من تُعهد إليه إمارة العسكر، ومنه شاع لقب «أتابِك العسكر».
بهذا الاسم (أتابك أو ابن أتابك) عرفت أرض معرض دمشق قديماً، نسبة إلى السلطان نور الدين بن الأتابك عماد الدين الزنكي.
وكان ميدان أتابك في العهدين الأيوبي والمملوكي مكاناً للتدريب على السلاح والمعارك حيث يرتاده السلاطين والأمراء وعلية القوم للعب بالسيف والترس والصولجان، كما كان هذا الميدان مكان ترويض الخيول وبمنزلة معسكر لإنزال الجيوش إضافة إلى قلعة دمشق.
و كان هذا الميدان أيضاً مركزاً مهماً تنزل فيه الوفود والقادة والأعيان عند قدومهم إلى دمشق وقد نزل فيه سيباي عند دخوله دمشق، وسيباي هو الأمير الكافلي سيباي بن بختجا أمير السلاح بمدينة مصر، قُتل بمعركة مرج دابق، وهو نائب السلطنة المملوكية بالشام.
مرجة الحشيش
عرفت في وقت متأخر أرض معرض دمشق القديم باسم المرج الأخضر أو مرجة الحشيش (مرج الحشيش) لأنه المكان المتسع الممتلئ بالأعشاب، وقد أدى هذا المرج وظائف كثيرة لأهل دمشق، فهو متنزه أهالي دمشق القديمة في القرن التاسع عشر، ومكان خيالة دمشق، وشبابها يركبون خيولهم ويقومون بجولات يوم الجمعة وأيام الأعياد الوطنية والدينية، ويقول قتيبة الشهابي عن هذه الأرض: « كان من أكبر ميادين دمشق على الإطلاق، ذكره ابن القلانسي في العهد السلجوقي سنة 507هـ-1113م ويشرف عليه القصر الأبلق، وكان يمتد من التكية السليمانية وساحة الأمويين وما يجاورهما؛ نظمه السلطان نور الدين الشهيد وأنشأ فيه موضعاً للحيوانات العطيلة أو المصابة، ثم وسعه من ناحية الشمال نائب السلطة في العهد المملوكي الأمير سنجر الشجاعي وبنى جدرانه، وكان المماليك يمارسون فيه ألعاب الفروسية».
هذا المكان هو مهد أول طيارة هبطت في دمشق عام /1914/، وكان هذا المرج أرضاً لتنظيم سباق الخيول وعروض ألعاب الفروسية، وفي زمن الاحتلال الفرنسي كانت تجرى على أرضه الاحتفالات الرسمية بالأعياد الفرنسية، والعروض العسكرية للقوات الفرنسية والمرتزقة من «سنغال ومغاربة».
أما في عهد الاستقلال فقد شهدت أرض معرض دمشق القديم سنوياً الاستعراض العسكري لمناسبة جلاء المحتل الفرنسي عن الأراضي السورية، إضافة إلى عروض المدارس والكشاف السوري.
أبنية على أرض مرجة الحشيش
خلال السنوات الماضيات شيد عدد من الأبنية المهمة على أرض المعرض القديم، فكانت التكية السليمانية، والقشلة الحميدية «الجامعة السورية» ومعهد أو مدرسة الحقوق «وزارة السياحة» والملعب البلدي الشهير «مكان مطعم الشرق ثم قصر النبلاء» وشهد الملعب البلدي جريمة اغتيال عدنان المالكي عام 1955 م، وحديثاً تم تشييد الصرح الحضاري دار الأوبرا، وقبل الحرب الإرهابية على سورية، بدئ باستثمار هذه الأرض بمشروع حضاري ثقافي اجتماعي متميز، تابع للأمانة السورية للتنمية.