تتأكد، مرة أخرى، مع انتخاب إيمانويل ماكرون ثامن رئيس للجمهورية الفرنسية، مقولة "وراء كل رجل عظيم امرأة"؛ فانتصاره تاريخي بكل المقاييس، ومساهمة زوجته بريجيت حاسمة أيضا، وكذلك أبناؤها الثلاثة (بنتان وولد)، من زواج سابق، وخاصة، ابنتها المحامية تيفاني أوزيير.
العلاقة بين إيمانويل وبريجيت تعود إلى أكثر من عشرين سنة، أي حين كان الشاب إيمانويل في الخامسة عشرة من عمره، وأحبّته في سن السابعة عشرة. "لقد جرف الحبّ كل شيء في طريقه، وقادني إلى الطلاق. من المستحيل مقاومته"، تقول بريجيت، التي تبلغ الرابعة والستين من عمرها.
وكانت زوجة الرئيس المنتخب، دوما، وراءه، ومعه في كل القرارات الحاسمة التي اتخذها الشاب الموهوب، والذي يَدين بالشيء الكثير للفيلسوف الفرنسي بول ريكور، ومن أهمها الانسحاب من عالم المصارف والمال وولوج عالَم السياسة.
ولا يخفى أن بريجيت كانت على ثقة من نجاح زوجها في ميدان السياسة هذا، في الوقت الذي كان فيه كثيرون يتوقعون هزيمة مبكرة لهذا الفتى الذي لا حزب من ورائه، ولا تجربة سياسية له.
وفي مغامرة ماكرون السياسية كانت إلى جانبه، حينما يتطلب الأمر ذلك، تحضر تجمعاته الانتخابية، وتحضر كل مساء مقر حملته، تصفق له، ثم سرعان ما تنصرف إلى مهمات أخرى، بينها تنظيم عشاءات العمل واختيار المدعوّين، خاصة المقربين من زوجها، من الدقائق الأولى لبداية المغامرة، وتوجيه الشكر لهم، ثم تنظيم أجندة الزوج، بحيث يَسهُل عليه تجنب كل ما يزعجه في مهمته، ثم لا تنسى أن تزور أحفادها، مرة أو مرتين في الشهر.
وكانت بريجيت أمام جمهور فرنسي يكتشف، ربما لأول مرة، وبهذا الشكل، زوجة مستشار لرئيس الجمهورية، ثم وزيراً، ثم مرشحاً لرئاسة الجمهورية، لا تخشى الظهور إلى جانب زوجها، وفي قطيعة مع الثقافة السياسية الفرنسية، في غايَة الحذر، وإن لم يَخْلُ المسار الطويل من زلات ومواقف تناقلها الإعلام الفرنسي.
وفي الوقت الذي كان فيه الفرنسيون يستعدون لتوديع فرانسوا هولاند، الرئيس الذي أصرّ منذ بدايته في الإليزيه، من دون أن يقنع أحدا، أنه "رئيس عادي"، كان ماكرون وزوجته يرسمان صورة عن فرنسا الجديدة، وصورة جديدة عن الرئيس الجديد، الذي لن يكون "عاديا"، وفق الصورة التي رسمها الفرنسيون عن هولاند، وأيضا عن أسلافه.
لا شيء عاديّاً لدى الزوجين ماكرون، لا من حيث علاقة الحب والمودة التي تربطهما، والتي تظهر الرئيس "إنسانيّا"، وبشكل علني، في أقصى درجات العشق، ولا من حيث فارق السنّ، معكوسا مع ما هو متعود و"مسموح به" اجتماعيا، لأن الوطأة الإعلامية لصورة الزوجين من أكبر الهدايا للمرأة الفرنسية وللحركة النسوانية، في وجه مجتمع رجولي بطركي.
ولا يخفي إيمانول ماكرون رغبته في منح أقصى صلاحيات "السيدة الأولى" التي تخوّلها القوانين الفرنسية، من دون تكليف الخزانة الفرنسية شيئاً. يقول: "ليس لكونها زوجة لي؛ فأنا أمتلك كل شيء، بما فيه الوضعية التي ستكون عليها. سيكون لديها (أي بريجيت) كلمتها في ما تنوي أن تكونه"، لأن ماكرون "الرئيس غير العادي" يريد الخروج من "هذا النفاق الفرنسي، ولأن الرئيس حين ينتخب فهو يعيش مع زوجة، ونمنح للجمهورية أيامنا وليالينا، حياتنا العمومية والخاصة".
عند التأمل في مسار الرئيس الفرنسي المنتخب، يظهر إنساناً في عجلة في أمره، ولكن بريجيت، أيضا، في عجلة من أمرها، ولن تسمح لأي شيء أن يقف في وجهها ووجه زوجها.
لا شيء يمكنه أن يُخفي عن بريجيت، مُدرّسة الآداب القديمة للأقسام الأولى والثانوية، روح التلقائية والردود الطبيعية التي تتميز بها مواقفها وتصرفاتها، والتي وصلت بها، وهي التي عاشت في ظروف اجتماعية مريحة، قياسا مع أغلبية الفرنسيين، إلى الاعتراف بأنها كانت تجهل، من قبل، الظروف الرهيبة التي يعاني منها العاطلون عن العمل، وأيضا المرضى، والذين تعرضوا لنوائب الزمن.
لقد صنعت بريجيت من ماكرون رجلا آخر، لم تمنحه الاستقرار العاطفي والمنزلي فقط، وهما ضروريان، ولا روح الإنصات والنصيحة، اللذين لا يقلان أهمية، ولكنها فتحت، أيضا، أمامه عالم الثقافة بشكل كبير، إذ أدخلته في عالم السينما والمسرح، وقربت إليه رموزا مهمة في الثقافة والإعلام الفرنسيين، لعلّ منهم فابريس لوكّيني وفرانسوا برلياند وبيير أرديتي ولين رونو، وأيضا الكاتب الكبير، والكاتب الشخصي للرئيس فرانسوا ميتران، إيريك أورسينا، وغيرهم.
وكما تقول الصحافية، كارولين بيكوزي، فإن "هذه الزوجة البراغماتية إلى أبعد الحدود، هي مزيج من الرقة والمَرَح والشدة والانشراح والأنوثة"، أي ما يريده الرئيس الجديد، الذي يحرص على ظهورها معه في كل خروج علني له، من دون زيادة ولا نقصان: "الحب والطموح".