في البدء كانت قصة جميلة عن شاب فنلندي ــ سوري يحمل على ظهره كيس ألعاب ضخما من هلسنكي إلى حلب، يعطيها لأطفال أيتام ويجمع التبرعات لهم. لكن بعض الحقائق بدأت تنكشف وقصة «عمّو ألعاب» باتت ملطخة باتهامات فساد وكذب وسرقة
كتب صباح ايوب في الاخبار اللبنانية :
هو «مهرّب الألعاب ناشر البسمة على وجوه أطفال حلب» (بحسب شبكة NBC news الأميركية وصحيفة «تلغراف» البريطانية ) وهو «مهرّب أكياس الفرح » (BBC البريطانية) و«عمّو رامي الذي ينتظره أطفال حلب بفارغ الصبر » (هافنغتون بوست) و«الرجل الذي يخاطر بحياته ليهرّب الألعاب » (CNN)، وهو «موزّع السعادة رغم المخاطر » («لو فيغارو» الفرنسية) و«الرجل الذي يصرّ على العودة الى حلب بينما الآخرون يفرّون منها » (قناة «العربية»).
كل تلك العناوين وغيرها تتحدث عن المواطن السوري – الفنلندي رامي أدهم (٤٢ سنة) الذي شُغلت به أبرز وسائل الإعلام منذ مطلع العام الحالي ونشرت تقارير بطولية تمجّد نشاطه «النبيل» بإيصال ألعاب ومساعدات من فنلندا إلى أيتام في حلب، لكن صورة «البطل السوري» انكسرت أخيراً إذ قد تخفي حكاية «بابا نويل سوريا» أكاذيب ساهم الإعلام بنشرها من دون أي تدقيق.
هاجر ابن حلب رامي أدهم إلى فنلندا عام ١٩٨٩، عمل في العاصمة هلسنكي وهو أب لستة أولاد، وأسس عام ٢٠١٤ ) الرابطة السورية الفلندية) وهي، كما تعرّف عن نفسها «رابطة مستقلة تسعى الى لمّ شمل السوريين في فنلندا ومد جسور بينهم وبين وطنهم الأم»، ومن بين مهماتها «تقديم الدعم والإغاثة المطلوبة وتوصيلها باليد» إلى السوريين، وأنها «أُنشئت لأنه كان لا بدّ من فعل شيء بعدما قام نظام (الرئيس بشار) الأسد الديكتاتوري بقتل شعبه الذي انتفض ضده بطرق سلمية». وفي الفقرة ذاتها رابط للتبرّع ولـ«حساب الزكاة» يحدد مبلغ الزكاة المطلوب ورقم حساب تحويل الأموال. قناة «يوتيوب» الخاصة بالجمعية تعرض أفلاماً قصيرة من إعداد الرابطة وتقارير متلفزة عن نشاطات أدهم في حلب وكل المقابلات والبرامج التي ظهر فيها الناشط على قنوات فنلندية ودولية. في الشكل كما المضمون يحضر أدهم في غالبية اللقطات المصوّرة التي زوّد بها الإعلام، يرافقه مصوّر يلتقط كل تحرّكاته على طريقة النجوم منذ لحظة مغادرته مطار هلسنكي ثم مع الأطفال الأيتام، وبين الردم في حلب المدمّرة، وهو يزحف أرضاً مختبئاً من قنّاصين، وأثناء عبوره المناطق الحدودية ليلاً…
في إحدى المقابلات سألته مذيعة «سي إن إن» عن رد فعل الأطفال لحظة تلقيهم الألعاب؟ فأجاب «… أنا أعمل وحدي وأخاطر بنفسي فقط… تقديم الألعاب هو أفضل ما حصل لي في حياتي». لا شيء عن الأطفال، بل تكرار لمعلومة أنه يزور حلب كل شهرين وقد بلغ عدد زياراته حتى الان ٢٨ رحلة وأنه «لا يبالي بالمخاطر المحدقة به، لان دمه ليس أغلى من دماء الأطفال الذين تخلى عنهم العالم في سوريا». أسَر رامي قلوب الفنلنديين مسؤولين ومواطنين الذين تبرّعوا بسخاء لمشروع كفالة الأيتام في حلب، ثم سحَر الاعلام حول العالم، وبلغت التبرعات لرابطته نحو ٨٠ ألف يورو. لكن، كل ذلك يبدو في طريقه الى الانهيار بعدما نشرت الصحيفة الفنلندية «هلسينغن سانومات» قبل يومين تحقيقاً كشف وجهاً آخر لـ«البطل» وبعض خبايا قصته.
الصحيفة ركّزت على ٣ أمور: أولاً، على الصور التي نشرها رامي على حسابه على «فايسبوك» مع الداعية السعودي، وقاضي «جيش الفتح» عبد الله المحيسني، الذي وصفه أدهم بـ«رجل بألف رجل» و«مثال المجاهدين»، إضافة الى تعليقاته المذهبية المتطرفة «ضد الشيعة والأكراد»، كما نقلت الصحيفة. ثانياً، حصلت الصحيفة من المصوّر السوري الذي عمل مع أدهم في حلب، ويدعى سامي مشعل، على محادثات «واتساب» بينهما تبيّن أن أدهم اخترع حادثة تعرّضه للقصف وإصابته بجروح وألّف مع مشعل سيناريو الحادثة وكيفية نشر فصولها تباعاً على صفحة الرابطة على «فايسبوك» لجذب الانتباه مع صور له وهو يدّعي أنه مصاب في رأسه ويده ويقول «قد أزور الأيتام بيدي المجفصنة… أو يزورونني هم وأنا أوزّع عليهم الألعاب… هكذا سيشيّدون لي تمثالاً في هلسنكي وينتحب الجميع» يقول أدهم في إحدى رسائله، قبل أن يتفق مع شريكه بأنه «سيطفئ هاتفه ويختفي عن فايسبوك لمدة ثلاثة أيام ثم يظهر مضمّداً» كجزء من الخطة.
الأمر الثالث، عن الاتهامات المتبادلة بين أدهم ومعهد «الكفاح» في حلب – التابع لجماعات إسلامية – الذي كان يتعاون معه في مشروع كفالة الأيتام. يقول أحد مسؤولي المعهد من حلب للصحيفة إنه «طرد أدهم» الذي «بات يتاجر بالأطفال السوريين من أجل الشهرة»، وبعدما «تبيّن أنه لا يرسل المبالغ الصحيحة للأيتام، أي ٣٥ يورو شهرياً لكل يتيم بحسب الاتفاق مع المتبرّعين، بل كان يرسل بين ٩ الى ٢٠ يورو فقط». من جهته، نفى أدهم تلك الادعاءات، وأرسل للصحيفة إيصالات تؤكد أقواله، كما نفى أمر اختراع حادثة إصابته في حلب. لكن، ماذا حلّ بـ٨٠ ألف يورو من التبرعات التي جمعها حتى الآن؟ لا جواب واضحا بعد، سوى فيديو نشره أدهم قبل أسبوعين يشكر فيه المتبرّعين ويقول إنه «سيبني مدرستين بدل الواحدة في سوريا».
أعلنت الشرطة الفنلندية أنها باشرت تحقيقات أولية في إمكانية ضلوع رامي أدهم بقضية فساد «بعد شكاوى تقدّم بها مواطنون حول شكوكهم بأن أدهم سرق من تبرعاتهم». كما قالت إنها «بصدد مراجعة ما نشره أدهم على حسابه على فايسبوك». ومن بين ما نشرته صحيفة «هلسينغن سانومات» أنه وعد مساعده مشعل بأنه «سيساعده للحصول على بطاقة هوية مزورة من خلال وثائق مزيّفة»، قائلاً «أنا بنفسي فعلت ذلك… سيبتلع الفنلنديون الأمر وإن لم يفعلوا فسنعطيهم إياه كتحاميل»!