حذرت روسيا أمس الولايات المتحدة من أن «العدوان المباشر» الأميركي على الحكومة والجيش السوريين سيؤدي إلى «تغيرات مخيفة ومزلزلة» في الشرق الأوسط، بعد تسريب تسجيل لوزير الخارجية الأميركي جون كيري عبر فيه عن إحباطه لأن جهوده الدبلوماسية لإنهاء الحرب في سورية لم يتم دعمها بعمل عسكري تشنه بلاده، والذي جاء عقب طلب الرئيس باراك أوباما من جميع وكالات الأمن القومي بحث كل الخيارات بشأن سورية.
في الأثناء جددت الصين، الإعراب عن قلقها بشأن زيادة حدة التوترات في سورية مؤخرا، وخاصة بعد إعلان مسؤولين أميركيين أنهم سوف ينهون التعاون مع روسيا بشأن القضية السورية. وتصاعدت حدة التوتر الروسي الأميركي، بعد انهيار «نظام التهدئة» الذي تم بموجب اتفاق بين وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وجون كيري في التاسع من الشهر الماضي، ودخل حيز التنفيذ في الثاني عشر من الشهر نفسه وتوقف سريان مفعوله في التاسع عشر من الشهر ذاته بسبب عدم اتفاق الطرفين على تمديده.
وتبادلت موسكو وواشنطن الاتهامات بشأن إخفاق الاتفاق، ويرجع مراقبون إخفاق جولات المحادثات المارثونية بين الجانبين لاستئناف العمل بالاتفاق إلى عدم تمكن لافروف وكيري من تجاوز عقدتين: واحدة تمثل مطلباً أميركياً وهو وقف حركة الطيران الحربي التابع للجيش العربي السوري في شمال سورية 7 أيام، والأخرى روسية تتمثل في فصل «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) عن باقي الميليشيات المسلحة. لكن الجانبين رفضا اعتبار الاتفاق ميتاً.
وأمس، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا خلال برنامج «حق المعرفة» على قناة «TV Center» وفق موقع قناة «روسيا اليوم» الإلكتروني: «تكمن مهمتي في شرح لماذا من المهم جداً البقاء في مسار الاتفاقات. إذا بدأ عدوان أميركي مباشر ضد دمشق والجيش السوري فسيؤدي ذلك إلى تحولات مرعبة ليس على هذه الدولة فحسب بل على المنطقة بأسرها»، في حين نقلت وكالة «رويترز» عنها قولها: إن «العدوان المباشر» الأميركي على الحكومة والجيش السوريين سيؤدي إلى «تغيرات مخيفة ومزلزلة» في الشرق الأوسط.
وتوقعت زاخاروفا أن يؤدي تغيير النظام الحاكم إلى ما هو أبعد من فراغ السلطة، وهو الفراغ السياسي الذي سيمتلئ على الفور «بالمعتدلين» الذين في حقيقة الأمر ليسوا إلا إرهابيين من كل الأصناف والأشكال والذين لا يمكن فعل أي شيء تجاههم. نحن نعرف أن الجيش العراقي شكل لاحقاً أساساً لداعش على الأرض، وكل من تحاربه روسيا والائتلاف، تعود جذوره إلى هناك».
وجاءت تصريحات زاخاروفا، بعد تسريب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية لتسجيل لوزير الخارجية يعود تاريخه إلى الأسبوع الماضي، ويقول فيه أمام منظمة مؤلفة من مدنيين سوريين: إن دعوته إلى التحرك عسكرياً ضد النظام السوري لم تلق آذاناً مصغية وفق وكالة «أ ف ب» للأنباء.
وأوضح كيري «دافعت عن استخدام القوة (…) لكن الأمور تطورت بشكل مختلف».
من جهته، لم ينف المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي صحة التسجيل الذي حصل في نيويورك خلال اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال كيربي: «لا يريد كيري التعليق على هذه المحادثة الخاصة، وقال إن الفرصة كانت سانحة له للقاء هذه المنظمة (التابعة) لسوريين والاستماع إلى ما يقلقهم والتعبير لهم عن هدفنا المستمر (المتمثل) بوضع حد لهذه الحرب الأهلية».
وفي آب 2013، وبعد توجيه اتهامات إلى الحكومة السورية باستخدام أسلحة كيميائية ضد المدنيين، استخدم كيري خطاباً هجومياً أوحى بأن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى رد عسكري، لكن أوباما عدل عن ذلك بعد ساعات.
ويشير كيري في التسجيل الذي نشرت محتواه الصحيفة إلى اعتماده ذلك الخطاب الهجومي، لكنه يحمل الكونغرس مسؤولية رفض استخدام القوة ضد الحكومة السورية.
وأعلنت الخارجية الأميركية الجمعة على لسان المتحدث باسمها مارك تونر أن المحادثات مع روسيا في شأن سورية لا تزال في «العناية المركزة» ولا يمكن نعيها بعد، وذلك بعدما كانت هددت طوال الأسبوع بتجميد المحادثات الثنائية معها، وذلك بعد أن تحدث كيري هاتفياً مع لافروف لليوم الثالث على التوالي، وإعلانه الخميس أن بلاده توشك أن تجمد محادثاتها مع روسيا بشأن سورية. وعلى غرار ما فعل كيري الخميس، أقر المتحدث بأن على واشنطن أن تسأل نفسها «في وقت من الأوقات إذا ما كان من العبثي مواصلة الاعتقاد بـ(وجود) آلية دبلوماسية» مع موسكو لحل النزاع في سورية؟. وأكد تونر أن إدارة الرئيس الأميركي تدرس «بدائل أخرى» لسورية، من دون أن يحددها.
وأضاف: إن «الكثير من بين (تلك الخيارات) يعتبر غير جيد، لذلك قبل إغلاق الباب بالكامل، نريد أن نكون متأكدين من فهم ما يحصل وأن (…) روسيا تفهم ما يحدث».
وفي وقت سابق من يم الخميس، أعلن توني بلينكن مساعد وزير الخارجية أن الرئيس أوباما طلب من جميع وكالات الأمن القومي الأميركي بحث الخيارات كافة بخصوص سورية، التي تراجع الآن بنشاط كبير.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ دعا في تصريح صحفي الجمعة إلى وقف إطلاق النار في سورية لخلق الظروف المواتية لاستئناف محادثات السلام والمساعدات الإنسانية في أقرب وقت ممكن، مطالباً جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية بأن يضعوا المصالح الجوهرية والأساسية للشعب السوري نصب أعينهم ويسعوا إلى وقف الاعتداءات والعنف.
وأكد أن وقف إطلاق النار وإنهاء العنف هما الشروط الضرورية اللازمة للتوصل إلى حل سياسى لضمان تحسن الأوضاع الإنسانية ومحاربة الإرهاب في المنطقة بشكل فعال، وأضاف: «كي يتم تسوية القضية السورية فعلى الجميع أن يقوموا بالتنفيذ الجدي لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبوجه خاص القرار رقم 2254».
ودعا المجتمع الدولي إلى العمل بشكل مواز على جميع المسارات سواء تلك المتعلقة بالهدنة أم بالمحادثات السياسية أو المساعدات الإنسانية والتعاون في مكافحة الإرهاب.
الوطن