مسكونون بهواجس الخوف والقلق من المجهول هكذا هو حال العائلات الليبية المهجرة والنازحة الى خارج اوطانها في حياة ملبدة بالمشاكل والضغوط النفسية التي لا تعير لها الدولة الليبية بالا .
هل تعلم الحكومات الليبية بمأساة هؤلاء ولا تعيرهم ادنى اهتمام او انها لا تعلم ؟ أم أنها تعلم ولكنها عاجزة عن حلحلة هذه المشكلات ؟؟ أو أنها ربما وضعت خططا وبرامج تنفذها لجان تم رصد ميزانية لها على غرار سابقاتها من لجان علاج الجرحى والمرضى التي نعلم كلنا حجم وكمية الفساد فى هذا الملف الذي لم نر أى تحرك من قبل الجهات المسؤولة كاستدعاء او تقديم الاشخاص الذين ثارت حولهم الشبهات وأشارت اليهم أصابع الاتهام إلى التحقيق أو المحاكمة مما جعل ضعاف النفوس وعديمو الوطنية يستسهلون استغلال مناصبهم ويستنزفون ما يقع تحت ايديهم من ميزانيات رصدت للمواطن وخدمته وحل مشكلاته.
هنا حكاية مأساوية أخرى:
تعثرت حتى كدت اسقط وأنا أخطو أولى خطواتي متجاوزة عتبة السكن الذي تقيم فيه هذه العائلة التي قصدتها بناء على معلومات تصف حجم البؤس والمعاناة التي تعيشها، عندما نظرت تحت قدمى وجدت أرضية مهترئة تملؤها الحفر، رفعت رأسي فاذا بي في شقة تتكون من صالة استقبال بها أريكة متهالكة ورثة، إحدى أرجلها مكسورة وغرفة نوم يوجد بها سرير واحد فقط وملابسهم تكومت فى حقائبهم، دخلت المطبخ فاذا به غاز قديم جدا يتكون من أربع شعلات ، لكن عينا واحدة فقط هي التي تعمل!! أما أواني الطهي فكانت مكدسة على قلتها فوق رخامة المطبخ .. وصف الحمام أو دورة المياه داخل هذه الشقة أمر صعب لأنه يكاد يشبه حمام ممكن استخدامه من قبل اي بشر .
كان فى استقبالي عند دخولي سيدة في أوائل الخمسينات من عمرها وبناتها الثلاثة اللواتي تتراوح أعمارهن من 25_29 عاما..
بدأت حديثى معهن بالسؤال عن حالهن الذى كان واضحا حتى للأعمى لكنه كان سؤالا كمدخل بهدف التقليل من التوتر الذى بدا عليهن.. ومن اجل استطلاع قصة هاته العائلة الليبية وما الذي رمى بها الى هذا الحال، وكيف تتدبر شئون حياتها توجهت بكلامى الى الأم طالبة منها أن تروى قصتهم فقالت:
زوجى توفى منذ خمس سنوات وقد ترك لى ثلاث بنات وكنا نسكن فى فيللا في مدينة بنغازي، ومع بداية الأعمال القتالية والمعارك العسكرية لعملية الكرامة خرجنا من بيتنا بعد أن أصبحت المنطقة شبه خالية من السكان نتيجة تحولها الى مسرح عمليات حربية .
لم نغادر بنغازي ولكني قصدت بيت شقيق زوجى الذي مكثنا عنده اسبوعا ولكنى بسبب مخاوفى على بناتى الصبايا في بيت عمهم غادرنا واستأجرنا شقة لمدة 4 شهور .. في هذه الاثناء مرضت احدى بناتي بسبب مشاكل حادة في معدتها فلم اترك طبيبا داخل بنغازى الا وذهبت له ولكن دون جدوى، فقررنا مغادرة ليبيا نهائيا وجئنا الى مصرحيث ادخلت ابنتي الى إحدى المصحات والحمد لله تماثلت للشفاء. اتصل بي قريب هناك من بنغازي وأحبرنى أن بيتنا سقط بعد ان دكته القذائف والصواريخ فاسودت الدنيا فى عينيى وضاقت بما رحبت ولم أعد قادرة حتى على التفكير .
لم يعد لدينا هناك مانرجع اليه، واذا عدنا فسنجد انفسنا مرغمين على الايجار فقلنا نبقى هنا أفضل من الرجوع والمكوث عند الاقارب . انتقلنا لشقة أرخص عندما بدأت النقود التي معنا توشك تنفذ ومكثنا ثلاثة شهور أخرى، وفى آخر شهر لنا ومع عجزنا عن دفع الايجار الذي يفوق قدرتنا قررنا البحث عن شقة ارخص من التي نسكنها فى منطقة متواضعة جدا ووجدنا فعلا هذه الشقة وانتقلنا اليها وفى الشهور الأخيرة أصبحنا عاجزين عن دفع الإيجار وسداد فواتير الكهرباء … والاقارب فى ليبيا لم يظهرو اى اهتمام بنا رغم انى اتصلت بهم وتكلمت معهم عن الصعوبات التى نعانيها ولكن الرد كان صاعقا لنا أنهم لا يستطيعون تدبير أمورهم حتى!!!!!!!! .
هنا بكت الام بحرقة واسترسلت قائلة : لم أعد أجد حلول مهما فكرت …
ومع عجز الام عن مواصلة حديثها بسب تأثيرها لما انتهى اليه حال اسرتها، قالت احدى البنات بحثنا عن عمل هنا ولكن لم نجد، وذهبنا للسفارة مرارا وتكرارا ولكن بدون جدوى .
وأضافت أخرى استطرادا لما قالته اختها: ماذا نفعل هل نخرج للشارع…..!! أم نمكث عند الأقارب رغما عنهم !!!؟ .
أمام تلك الكلمات والعبارات المتهدجة المختلطة بالاسى والحسرة والالم والمرارة، لم أجد ما أضيف في شرح حال هذه العائلة الحائرة التي صارت أمام امتحان عسير جدا في مواصلة حق الحياة..
كثير من الاسر الليبية في الاسكندرية خصوصا وفي مصر عموما تتعرض الى قسوة حياتية مؤلمة وتعيش وضعا مأساوىا ولا يبدو أن هناك حلولا فى الأفق، فكل الظروف تعاكسهم حتى الاقارب في ليبيا لم يعد امامهم الكثير لكي يقدموه لاهلهم في المهجر..
لم يعد هناك من أمل ولا معين لهم الا الله سبحانه وتعالى . فهل ستتحرك الحكومات الليبية من اجل التفاتة رحمة نحو هؤلاء البائسين ام انها ستستمر تنفق كثيرا من الوقت في الفنادق والمنتجعات وهي تبحث عن افضل السبل لاقتسائم الغنائم او حيازة اكبر قدر منها.