في سجن النساء بباركيركوي (اسطنبول) الذي نقلت اليه قبل أيام، سيتاح للكاتبة التركية أسلي أردوغان ان تعيش تجربة الاعتقال التي تناولتها في روايتها «المبنى الحجري»، آخر رواياتها المترجمة الى الفرنسية عن دار أكت سود في 2013. وفي زنزانتها ستستعيد ربما ما كتبته في روايتها تلك «يتجدد الليل في أماكن أخرى من العالم، في قارات أخرى، تسدل الستائر، تطلق صفارات الإنذار، يتأهب رجال الأمن لمواجهة خطر الظلام».
ألقت الشرطة التركية القبض على أسلي أردوغان مساء 17 أغسطس في منزلها في اسطنبول بتهمة «الدعاية والانتماء الى منظمة إرهابية والتحريض على الفوضى». وتعد اردوغان من أهم الأصوات في الأدب التركي المعاصر إلى جانب اليف شافاق ويشار كمال واورهان باموك.
◗ الفيزياء والرواية
أسلي اردوغان روائية وكاتبة قصص قصيرة. درست الفيزياء وعملت في المركز الأوروبي للأبحاث النووية قبل ان تغادر الى البرازيل، حيث أصدرت من هناك أولى رواياتها «الانسان الصدفة». عادت الى تركيا لتركز عملها في حقل الأبحاث الاجتماعية، الى جانب عملها صحافية وعضوة في هيئة تحرير صحيفة اوزجوز جونديم المعارضة، حيث طال الاعتقال عشرين صحافيا من إدارة تحريرها. ويأتي اعتقالها في سياق حملة شنتها السلطات التركية غداة انقلاب 15 يوليو الفاشل، وأدت الى اغلاق مئات وسائل الاعلام واعتقال مئات الصحافيين.
◗ المثقفة الناشطة
بعد حملة المطاردات التي عمّت تركيا اثر الانقلاب الفاشل، كتبت أسلي اردوغان على مدونتها «رسالة خطيرة ومهمة» – نشرتها صحيفة جمهوريت بعد أيام على اعتقالها – تعبر فيها عن قلقها على بلادها وعن معاناتها كمثقفة مطاردة ومذمومة.
انخرطت صاحبة «المدينة ذات المعطف الأحمر» في الدفاع عن حقوق الانسان والمرأة. ناضلت في السنوات الأخيرة دفاعاً عن القضية الكردية وكانت صوتاً صارخاً بوجه الانتهاكات التي يتعرض لها الكرد في شرق تركيا. نظمت اردوغان مع كتاب آخرين مسيرة الى الحدود التركية السورية اثناء حصار كوباني من قبل قوات تنظيم الدولة الإسلامية في 2014.
◗ اردوغان ونفيسي
أثار اعتقال اردوغان ضجة في الوسط الثقافي والإعلامي التركي والعالمي. وأطلقت عدة عرائض تطالب بحرية الكاتبة المتميزة بموهبتها الأدبية، صاحبة الروايات المترجمة الى عشرات اللغات وحائزة الجوائز العديدة خارج تركيا. كما وجهت جمعية قلم العالمية نداء الى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مذكرة إياه بأن الكاتبة التركية مثلت بلادها في لجنة الكتاب السجناء لدى الجمعية الأدبية العالمية ما بين 1998 و 2000.
هل تذكرنا الكاتبة التركية اردوغان بالكاتبة الايرانية المنشقة والمهاجرة الى اميركا، آذر نفيسي صاحبة كتاب «كيف تقرأ لوليتا في طهران»؟
عايشت اسلي اردوغان تجربة السجن روائياً قبل أن تودع بين جدرانه من خلال روايتها «المبنى الحجري»، وتروي فيها ما يجري في مبنى عتيق يضم نشطاء سياسيين، ومثقفين مشاكسين ومتمردين على الرقابة، وأطفال شوارع، حيث التعذيب والذل يسيران جنبا الى جنب بصورة طبيعية. «الحوار الحقيقي مع الظلال. اليوم اريد ان أتكلم عن بناء حجري يختبئ القدر في احدى زواياه، حيث نكتشف عن بعد المعاني العميقة للكلمات. شيّد هذا المبنى قبل ان أبصر النور وهو من خمس طبقات من دون احتساب الطبقات السفلية..». تفضح اسلي في روايتها «الاستشرافية» أمراض المجتمع التركي، وهي استلهمت فكرتها من مرويات والديها اللذين اعتقلا وعذبا من قبل الأنظمة التركية الناشئة بعد الانقلابات التي شهدتها البلاد بين 1980 و1990.