في كل المواضيع التي نتكلم عنها يجب أن نمر على الأزمة، لأنها باتت العائق الرئيس في أي تطور رياضي، وهو أمر حقيقي لا لبس ولا جدال فيه.
إذاً فالأزمة باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا والرياضة أحد أركانها، ولأن الأزمة ليست وليدة اليوم، فلابد من الحلول التي تعين الرياضة على تجاوز الأزمة وتفادي آثارها.
فالاستسلام للأزمة يعني الخسارة وهو الفشل بحد ذاته.
لذلك لابد من دراسة مستفيضة للواقع الرياضي، وإعداد صيغ جديدة تتناسب مع الظروف التي نعيشها وذلك ضماناً للاستمرار الرياضي أولاً، وللحفاظ على المكاسب الرياضية ثانياً، وللانتقال إلى حالة التفوق الرياضي ثالثاً.
كيف يكون ذلك؟ الإجابة في التفاصيل القادمة.
الوجود الرياضي
الوجود الرياضي محقق بنسبة عالية، فكل الأندية تعمل لكرة القدم وتمتهنها ولو بنسب متفرقة، إنما هذا الوجود ليس كما يجب لأنه بات شكلياً في الكثير من الأحيان وأغلب الأندية توارت خلف الأزمة لتحمي تقصيرها.
ونعتقد أن نسب العمل الجدي في كرة القدم لم يعد يتعدى الخمسين بالمئة رغم أن الكلام والتصريحات تخالف هذا القول، إنما لدينا على ذلك أمثلة كثيرة.
وإذا كانت أمثلتنا من دمشق فلأنها أكثر المدن أماناً وأقلها تعرضاً للأزمة.
فنادي الوحدة على سبيل المثال وهو النادي الجماهيري الكبير الذي يملك استثمارات ضخمة تعود عليه بعشرات الملايين فضلاً عن الداعمين الذين يطبلون ويزمرون لهم، ما زال يعتمد على إنتاج غيره من الأندية، وها هو فريقه للشباب يخسر مبارياته بسخاء بدورة دمشق، ما يدل على أن أمور كرة القدم بالنادي ليست على ما يرام، لأن التوازن في النفقات غير موجود، فنصرف الملايين على الفريق الأول للتعاقد مع لاعبين، ونضنّ بهذه الأموال على القواعد التي فقدت شهيتها لكرة القدم.
والمشكلة الأخرى نجدها في التعاقدات حيث نجد أن الفريق يغيّر لاعبيه كل موسم لانتهاء عقودهم، وهذا يجعل الفريق فاقداً للتوازن بعملية التغيير التي تفرض وجود لاعبين جدد بحاجة إلى وقت كبير لتحقيق الانسجام، إضافة للدفع المتكرر مع كل عقد جديد.
والنموذج الثاني نمر عليه مرور الكرام وهو نادي المحافظة الذي لم يصل إلى تمام الهدف، وسبق أن مدحنا مشروع «بكرا إلنا» كثيراً وأكاديمية النادي أكثر، لكننا لم نجد حتى الآن أي قطاف لهذا الزرع الذي استمر طويلاً، ففرق النادي القاعدية لماذا تخسر مع فرق دمشق التي لا تملك هذه المدارس والمشاريع والأفكار، فأين العلة؟ والحال في بقية الأندية وخاصة الكبيرة المملوءة بالاستثمارات ليست أفضل، لذلك نقول: حققنا وجودنا الكروي في أدنى الحدود، ويمكننا أن نحقق أفضل من ذلك بكثير، فأنديتنا تتحمل المسؤولية الكبرى في تراجع كرة القدم وعدم تطورها.
المكاسب الرياضية
مسؤولية اتحاد كرة القدم تتجلى في الحفاظ على المكاسب الرياضية وتوظيفها بشكل جيد وذلك لتحقيق القفزة النوعية المطلوبة، وأهم هذه المكاسب أن كرة القدم لعبة جماهيرية، لها عشاقها ومحبوها، وهذا وحده يعتبر دافعاً كبيراً للعمل بشكل جدي نحو الأفضل ومن المكاسب أيضاً وجود كرة القدم في كل مكان، فهناك الكثير من الرياضات التي تبحث عن مزاولين لها ولا تجدهم، والكثير من الألعاب لا تجد أندية تمارس ألعابها، وعندما تقيم هذه الألعاب بطولة للجمهورية تجد عدد المشاركين قليلاً جداً فانتشار كرة القدم في معظم الأندية وجاهزيتها لهو مكسب كبير.
إضافة لذلك وجود دعم مالي كبير، فبيع مباريات الدوري (على سبيل المثال) وتسويقها للقنوات الفضائية، أيضاً هناك عوائد المنتخبات الوطنية، فضلاً عن المساعدات الآسيوية والدولية وإن كانت هذه مجمدة حالياً.
كل هذه العوامل تدفع اتحاد كرة القدم لتوظيفها بالشكل الصحيح الملائم لظروفنا، والتي تنتج عملاً هادفاً منتجاً متطوراً.
ومن هذه فإن أسلوب الدوري يجب أن يكون ملبياً لحاجة كرة القدم ولظروف البلاد، وهذا ما شاهدناه في المؤتمر السنوي، لكن المشكلة تكمن في التطبيق، ومسؤولية اتحاد كرة القدم هي تطبيق ما أقره المؤتمر حرفياً وبالمواعيد مع تطبيق آلية الهبوط مهما كانت الأندية الهابطة ومهما كانت المبررات والأعذار، ومن هذه أيضاً الحفاظ على ما وصل إليه منتخبنا الوطني من ترتيب، فهو اليوم من منتخبات النخبة الآسيوية، وعليه الحفاظ على هذا الموقع بالكثير من الجد والاجتهاد والبحث عن حلول تجعل منتخبنا دائماً في موقع جيد، ما حققه منتخبنا حتى الآن يبدو جيداً، لكن غير الجيد أنه دخل التصفيات النهائية المونديالية باستعداد لا يوازي الحدث وأهميته، ومهما تكن النتائج القادمة، فإن الحكمة تقتضي الحفاظ على المنتخب ودعمه وتطويره، لأنه بالأصل مكسب مهم للكرة الوطنية.
النقلة النوعية
رغم الأزمة والظروف فإننا قادرون على تحقيق نقلة نوعية لكرتنا من دون الأسباب التي ذكرناها سابقاً، وهي تتضمن: استثمار الموارد المالية بالشكل الجيد، الاستفادة من الخبراء والكوادر، استغلال المواهب الكروية وتنميتها بشكل جيد، وضع أسلوب جيد للنشاطات المحلية، رسم إستراتيجية صحيحة للكرة السورية.
الوطن