أثار الإعلان المفاجئ لزعيم «جبهة النصرة» سابقاً، أبي محمد الجولاني، في بيان مرئي فك ارتباطه بتنظيم القاعدة الإرهابي، وإطلاق تسمية جديدة على جبهته، وهي «فتح الشام»، كثيراً من التساؤلات في أوساط الباحثين، عن الأسباب والأهداف، بين من رآه خطوة «علاقات عامة» وآخر اعتبره «قراراً براغماتياً»، ومن رأى فيه «إعلان هزيمة» و«اعترافاً بالواقع السوري» أو بقصد «التمويه والمراوغة».
وحسب مواقع إلكترونية داعمة للمعارضة فإنه يتضح من خلال البيان المرئي الذي ظهر فيه الجولاني، الخميس الماضي، مجموعة من الأسباب التي يمكن تلخيصها على النحو الآتي: «سد ذريعة قصفهم من التحالف الدولي بحجة تبعيتهم للقاعدة، التركيز على الساحة السورية، التقدم خطوة نحو السعي لتشكيل جسم موحد مع باقي التنظيمات المسلحة، خلق صورة أكثر اعتدالاً، ومحاولة استقلال التنظيم وقطع أي علاقة أو صلة بأي جهة خارجية».
ورأى الخبير في الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن هناك أسباباً أخرى للانفصال عن «القاعدة» منها أن مجموعة «خراسان» داخل «النصرة» باتت تفتقد إلى قيادات تاريخية قادرة على المضي قدماً باتجاه عولمة الحركة والالتزام بأجندة «القاعدة» التقليدية باتجاه استهداف «العدو البعيد»، وهي الأهداف الأساسية لـ«قاعدة» أسامة بن لادن.
ولفت إلى أن قرار «النصرة» فك ارتباطها، جاء بعد دراسة التطورات الميدانية الأخيرة على الساحة السورية، ولا سيما بعد التفاهمات الأميركية الروسية، باستهداف تنظيم داعش و«النصرة» في سورية. واعتبر أن إعلان الجولاني، ما هو إلا «محاولة للتنظيم لإعادة غرس نفسه في الثورة مرة أخرى»، مشيراً إلى أن فك الارتباط إنما جاء بعد مناقشات طويلة واتفاق داخلي ونوع من «التمويه والمراوغة».
وعن مجموعة «خراسان»، لفت أبو هنية إلى أن «المجموعة خسرت قيادات تاريخية لها في سورية، وباتت اليوم مهددة بالانقراض عبر برنامج الطائرات من دون طيار ومصفوفة القتل، وقطع الرؤوس».
ويمكن تلخيص المنظور الغربي لعملية فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة»، حسب المواقع بما يأتي: «أعلنت واشنطن أنها ما زالت تعتبر التنظيم بزعامة أبي محمد الجولاني تنظيماً إرهابياً، كما أنه لا يزال هناك قيادات لتنظيم القاعدة في جبهة النصرة تتهمهما واشنطن بأنها متورطة في أحداث 11 أيلول، إضافة إلى المخاوف من أن فك الارتباط ما هو إلا تأسيس لنفسها في سورية، بعد الضعف الذي عانت منه بفعل تنظيم داعش، وجعل سورية ملجأ آمناً لقيادات تنظيم القاعدة، داخل تنظيم سوري منفصل، كما يخشى التحالف الدولي من استدخال جبهة فتح الشام الجديدة نفسها في الثورة السورية والمعارضة، واستخدام سورية مركزاً لعملياتها لضرب الغرب، ورأى خبراء عسكريون أميركيون أنها خطوة علاقات عامة».
من جهته، رأى الباحث الأميركي في معهد «أبحاث السياسة الخارجية»، كلينت واتس، أن «خطوة انفصال جبهة النصرة تمثل الخطوة المنطقية ضمن تفكك تنظيم القاعدة، وتطور الجهادية في العالم». وأوضح أنه منذ مقتل زعيم التنظيم، أسامة بن لادن، فقد بدأت «القاعدة» تفقد سيطرتها على فروعها. وأضاف واتس، الذي كان ضابط مشاة، وعميلاً في الـ«إف بي آي» الأميركية لمكافحة الإرهاب: أن «تنظيم القاعدة اختار حلاً ثالثاً يتضمن بناء الدولة، دون أجندة (القاعدة الدولية) للهجوم على العدو البعيد، مدعومة محلياً، بنموذج جهادي هجين جديد، يحافظ على مشروع بناء الخلافة الإسلامية».
من جانبه دعا الكاتب توماس جوسيكلن، إلى عدم اعتبار ما قام به الجولاني «انفصالاً عن القاعدة»، مؤكداً أن خطابه كان «غامضاً ويتطلب نظرة دقيقة».
واعتبر جوسيكلن أن عبارة الجولاني بالانفصال عن «أي هيئة خارجية» قد لا تعني «القاعدة»، ولفت إلى أن الجولاني لم يفك «بيعته» للظواهري في خطابه المصور، ما يجعله مرتبطاً به بطريقة أو بأخرى، عدا عن تأكيده في وقت سابق أنه لن يتخلى عن «المبادئ» المتمثلة بالدعوة لتطبيق الشريعة، وتشكيل خلافة إسلامية.
بدوره اعتبر خبير الشؤون الجهادية تشارلز ليستر، أن بيان الجولاني مجرد «خداع» و«مراوغة»، معبراً عن رأيه بأن «النصرة» باتت أقوى من أي وقت مضى، وبتطرفها ذاته الذي كانت عليه، وليست اليوم أكثر اعتدالاً، وفق قوله.
واعتبر ليستر في مقال له مع مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، أن «النصرة» تواصل «لعبتها الطويلة» في سورية، التي تسعى بها لاستدخال نفسها ضمن الثورة السورية، بعكس تنظيم الدولة الذي يعتمد على المباينة والانفصال.