قليلة هي المواهب الموسيقية التي برزت في حمص وتوجّهت للدراسة الأكاديمية والاحتراف في آن معاً، من تلك المواهب الفنانة رحاب عازار عازفة العود الموجودة هذه الأيام في رحاب مدينة لندن لمتابعة الدراسة، ولكنها إلى جانب ذلك أقامت حفلات قدمت فيها نماذج من الموسيقا العربية، وشاركت في مشاريع مهمة. والفنانة رحاب التي بدأت رحلتها الفنية من حمص، هي ابنة عائلة فنية، والدها الموسيقي وصانع الأعواد (سمير عازار)، ووالدتها الفنانة (ربى بطيخ) متعددة المواهب، صاحبة صوت جميل، وتكتب الشعر وتمارس فنوناً تشكيلية، وهما من مؤسسي فرقة «حمص لإحياء التراث» مع الفنان (عيسى فياض). من هذه البيئة المفعمة بالفن بدأت رحاب رحلتها مع الموسيقا عندما صنع لها والدها آلة عود تناسب عمرها الذي كان دون العاشرة بثلاث سنوات، وعلّمها العزف عليه فكانت الخطوة الأولى في حياتها.
تقول رحاب لـ «تشرين» عما يميز المرحلة الأولى من حياتها الفنية: انضممت إلى فرقة «التخت الشرقي النسائي السوري» قبل نهاية عام 2006، وقبل تفرغي للدراسة في المعهد العالي للموسيقا، إلى أن سافرت عام 2015 إلى لندن، مشاركتي في هذه الفرقة سمحت لي بالعزف في العديد من الأمسيات في سورية والدول العربية (لبنان، الأردن، العراق، سلطنة عُمان، الإمارات العربية، البحرين)، وفي روسيا. وقد علمتني تجربة العزف مع هذه الفرقة التهذيب والتواضع الموسيقيين إلى جانب المسؤولية التي تمليها المتطلبات الجمالية للتجربة، بالنسبة لي أن تكون جزءاً من إخراج عمل موسيقي يختلف كثيراً عما أنت عليه كعازف منفرد. كما دربتني تجربة الفرقة على الثقة على المسرح، ووسعت اطلاعي على الموسيقا العربية وأعطتني بهجة اكتشاف أماكن جديدة وصداقات عزيزة لمدى الحياة.
وعمّا يميز المرحلة الثانية تقول رحاب: إنها تمتد بين عامي (2009- 2012 ) فهي مرحلة سنوات دراستي في المعهد العالي للموسيقا بدمشق. وأبرز ما فيها، كان أولى تجاربي في التوزيع من خلال كتابتي وتسجيلي في عام 2012 لخطٍّ لحنيٍّ للعود مرافق لأغنية باللغة الإنكليزية للمغنية الهولندية مارييل وولترينغ (فرقة لافالو). والحدث الثاني هو مشاركتي كعازفة منفردة مع الأوركسترا الوطنية للموسيقا العربية التي صاحبتني بقيادة الأستاذ (عدنان فتح الله) في عزف قطعة من توزيع الأستاذ (محمد عثمان) الذي تخرجت على يديه.
ونسأل رحاب: درجت العادة أن يكون الكادر التدريسي في الأعم الأغلب من الموسيقيين الذكور، لك تجربة في هذا المجال لو تحدثيننا عنها، وما ثمارها؟
فتقول: لا أعتقد أنه من العدل أن نستمر بالتكلم عن الذكورة والأنوثة في أي سياق مهني في هذا العصر المنفتح. أعتقد أن تجربتي علمتني أن أي جهد وتصميم حقيقيين يوصلان صاحبهما إلى الأماكن المهنية التي يهتم بها بغض النظر عن جنسه. إذا أرادت المرأة أن تعيش حياة ممتلئة، يجب عليها أن تحرر نفسها من التوقعات التقليدية للمجتمع منها (إن وجدت)، ولكن أيضاً ألا تشعر بأن أي شيء تفعله خارج هذه التوقعات هو استثنائي!. الشيء الاستثنائي في رأيي هو ما يتم بأصالة خارج ذلك الإحساس الزائد بالأنا.
كيف بدأت تحصدين نتائج مثابرتك؟
عملت إلى جانب العزف في التخت الشرقي النسائي السوري في تعليم الصولفيج والعود في عدة معاهد في سورية. فما بين عامي 2014-2015 هذه الفترة شهدت تتويجاً للجهد الذي بذلته أثناء فترة دراستي في المعهد وما قبلها، حيث أهداني المعهد العالي للموسيقا تقديراً معنوياً ومهنياً كبيراً من خلال عزف «صولو» مع (الفرقة الوطنية للموسيقا العربية)، ودعوتي لتدريس الصولفيج فيه في الفصل الدراسي التالي لتخرجي مباشرةً. ومن الأشياء العزيزة عليّ التي توصلت إلى إنجازها هي وضع منهاج مبدئي مبسط لتعليم قراءة النوتة للأطفال تحت عمر 6 سنوات، وهو شيء كانت سورية تفتقده وقتاً طويلاً، وهو الآن متاح مجاناً للجميع كنسخة إلكترونية. كما حملت لي هذه الفترة أيضاً تجربة لا تنسى هي تدريس الموسيقا للأطفال في أحد مراكز الإيواء بدمشق. هذه التجربة جعلتني أعيد رؤيتي لتعريفي للإنجاز الموسيقي، وأكتشف أنه يمكن أن يكون أكثر معنى وصلة إنسانية في ظروف الشدة، وجعلني أعي دور الموسيقي الأعمق في المجتمع إجمالاً.
أنت الآن في لندن، على أي أساس وما إنجازاتك في هذه الفترة؟
استطعت الحصول على قبول جامعي في جامعة لندن ومنحة دراسية كاملة، فغادرت سورية إلى بريطانيا في أيلول 2015. لكن حتى بداية هذا العام لم أستطع تخصيص كثير من الوقت لإقامة أمسيات بسبب مسؤوليات الدراسة. الانطلاقة الحقيقية في لندن كانت في شهر آذار المنصرم، فقد أقمت أمسية في مكتبة «ألِف» في لندن برعاية مدرسة تقاسيم للموسيقا، تتالت بعدها دعوتي للعزف في أماكن ومناسبات مختلفة. بعدها كانت بداية مشروع موسيقي مع عازف السنتور الإيراني «بيمان هيدريان» ومشاركتي معه إلى جانب موسيقيين آخرين من إيطاليا واليونان في أمسية موسيقية في كلّية الدراسات الشرقية والإفريقية SOAS. كما قمت لاحقاً أنا و«بيمان» بتسجيل الحلقة الأولى لبرنامج (زيبرا) الموسيقي الذي سيعرض على الإنترنت في شهر آب. وشاركت بأمسية في مسرح كورت يارد برعاية artscanteen. كما شاركت بعدها بفقرة موسيقية في تجمع أهلي محلي في «أوكسفورد» كان هدفه تسليط الضوء على ثقافة فلسطين والتذكير بالظلم الذي مارسته الحكومات على فلسطين (بما فيها البريطانية) التي ساهمت في صناعة الكيان الصهيوني، كما يهدف هذا التجمع إلى المطالبة الدائمة بوضع حد للاحتلال الصهيوني.
ما أنشطتك القادمة؟
سيجمعني في تموز تسجيل مع الصديقة وعازفة القانون السورية المميزة (مايا يوسف) كانطلاقة لمشاريع موسيقية مستقبلية. ولاحقاً سأبدأ تحضيراتي لإقامة حفل «صولو» في إحدى قاعات Royal Albert Hall بلندن في شهر تشرين الثاني.
هل بدأت في كتابة الأطروحة؟ وما موضوعها؟
أنا الآن بصدد كتابة أطروحتي النهائية لماجستير تدريس الموسيقا التي أبحث فيها أبعاد تأثير الأزمات والسياسة في ثقافة وموسيقا الأمم، مع تسليط الضوء على التباين ودراسة اختلال توازن القوى الموسيقية والحضارية بين الشرق والغرب، وتأثير ذلك في الشرق في ظل الأزمات. بحثي يهدف لاستكشاف اتجاه ثقافي- موسيقي تعليمي، يحفظ إرث سورية وهويتها المهددين في ظل الأزمة وما بعدها. ولعلي بهذا البحث أعبّر عن محبتي لبلدي الحبيب سورية الذي أحمله في قلبي، وكلي شوق لأحضانه، ولمدينتي حمص ولأهلها الطيبين.