صدر الكتاب الشهري الحادي والثلاثون عن وزارة الثقافة ودار البعث بعنوان «مختارات من الشعر الصيني القديم»، وقد تمت ترجمته إلى العربية عبر لغة وسيطة هي الروسية، ولكن المترجم قال: «إنه كان من منتقدي الترجمة عبر لغة وسيطة، ولم يكن في نيته حين قرأ تلك النصوص أن يترجمها»، ولكنه قرر أن يفعل، فعلام إذاً أقدم على هذه الخطوة التي كان من منتقديها؟.
يقول المترجم فؤاد المرعي: «..غير أن اللغة الروحية التي أحسست بها أثناء القراءة، والدهشة التي اعترتني لنضارة التعابير والصور التي تضمنتها دفعاني إلى محاولة صوغها بالعربية». ويبدو أن المترجم لاقى تشجيعاً من أصدقائه المعنيين بشؤون الأدب، فرأى أن النصوص التي صاغها بلغت بأسلوبها حداً معقولاً من الأمانة للنص الروسي، وحداً عالياً من الأمانة لروح النص الأصلي الصيني، ويدعم رؤيته ويشجعها أيضاً لكون مترجمي هذا الأصل عن الصينية إلى الروسية هم باحثون وشعراء مبدعون من طراز رفيع، كما وصفهم.
استُهِلَّ الكتاب بتوطئة عن نشأة الأدب الصيني، ومراحل تطور أساليب الكتابة لدى الصينيين، ثم نبذة عن «كتاب الأغاني» لمؤلفه شيتزي نو، الذي يزعم أن كونفوشيوس
قد ضمنه ثلاثمئة وخمس أغان، ثم يتحدث عن الشعر بعد التدوين.. وأخيراً الشعر بعد عصر بان- غو.
تبدو صور الطبيعة ببساطتها، وبما تمليه على المكان من سحر جلية في نفوس شعراء الصين، تعكسها قصائدهم أغاني تلقائية غير متكلفة، لنقرأ هذا المقطع من كتاب الأغاني (أخلاق الممالك) وهي أغان مملكة تشجو والبلدان الواقعة جنوبها، ترجمة الشاعر الروسي ف . ميكو شيفيتش: «على ضفة النهر توَقْوِقُ البطات/عشها بين عيدان القصب/ فوق جزيرة صغيرة/ هذه الصبية جميلة ومتواضعة/هذه الصبية يحبها الفتى العريس».
ومن أغاني مملكة بيي نقرأ هذي المقاطع الطريفة والمؤثرة من بوح شفيف حزين لزوجِ مهجورة: «نهر بيي يعكر نهر تسيزن/ ولكن حين يتباطأ جريان النهر/ يصبح الماء عند شاطئه شفافاً / يا سيدي! ما أشدّ قسوتك في معاملتي/أرجوك لا تدع الغرباء يدخلون حوضي/ لا تؤذِ شبكة صيدي المسكينة/ أنت تعامل زوجتك الجديدة برقة وحميمية/ أما أنا فلا ينتظرني غير الأحزان».
ومن أغاني مملكة يون نختار هذا المقطع الذي يحثّ على تلقي العلوم ومحاربة الجهل: «إذا كان الجرذ فخوراً بوبره/ فالأسوأ منه غير المتعلم، الأسوأ منه غير المتعلم/ الذي لم يمت من الخجل حتى الآن، إذا كان الجرذ فخوراً بمكره، فالأسوأ منه الغبي/ الذي لم يمت من الخجل حتى الآن».
ومن الشعر الجميل والذي تحوّل إلى فلكلور غنائي للقادة المحاربين الأبطال الذين يسافرون بعيداً وطويلاً في مهمة الذود عن الأوطان: «ليت عشب النسيان ينبت/ قرب البيت هنا، عند الجدار الشمالي/ سيدي! ما أشدّ جفافي شوقاً إليك!/صعبٌ عليَّ هذا الانتظار/ وحيدة عاماً بعد عام».
ومن الأشعار التي تعكس احترام الوقت وساعات الجد والعمل، ما نراه جلياً في هذا المقطع الذي يضيء على ثقافة جادة في التعامل مع المواعيد ومباكرتها لا إخلافها، فليس ثمَّ مكان للكسل أو الإهمال أو التقاعس: «تحطمُ أغصان الصفصاف / وأنت تركض ركضاً / فأنت لن تصل في الموعد / إذا لم تصل قبله».
وأحب أن أختتم بهذا المقطع الشجي من (أغنية قديمة): «في الغربة تبدو العاصفة أشدَّ قسوةً وعنفاً /وبيتي يبتعد أكثر فأكثر/ وجسدي يزداد نحولاً، يوماً بعد يوم/ أبكي حزناً، فيسيل دمعي بلا حدود/ وقلبي دربٌ حطّمته مئات العجلات».