| شمس الدين العجلاني
اندلع حريق ضخم، عند الساعة السادسة من صباح يوم السبت 23-4-2016 م في أحد المحال في سوق العصرونية الأثري في دمشق القديمة، تضرّرت بسببه السوق بأضرار جسيمة حيث التهمت النيران ما يقدر بنصف عدد محلاّت السوق، قبل أن تتمكن فرق الإطفاء من السيطرة علية بعد قرابة سبع ساعات.
الخسائر المادية كبيره جداً، والخسائر التاريخية والتراثية طالت أقدم بنك في سورية. فمن أحرق سوق العصرونية!؟
كارثة الحريق
قمت بعشرات الزيارات لمنطقة حريق سوق العصرونية وهذه المعلومات الواردة في متن المقال تستند إلى المشاهدات وإلى معلومات ممن حضر في السوق من أصحاب الشأن ومعلوماتي الخاصة..
تشير المعلومات المتوفرة إلى أن سبب الحريق ماس كهربائي، أدى إلى إصابة بشريةٍ واحدة، في حين قدّرت الخسائر الماديّة بمئات الملايين من الليرات السوريّة، حيث احترق بالكامل 100متجر، وبشكل جزئي 4 متاجر، وأن سبب الحريق بطارية سيارة تستعمل للإنارة في أحد المحال الذي يحتوي على كميات كبيرة من الولاعات «قداحات السجائر» بدأت «تعسعس» منذ يوم الخميس إلى أن حصل الحريق صباح السبت، وقدّر عدد سيّارات الإطفاء التي ساهمت فوراً في إخماد الحريق بنحو 100 سيارة، تفانى رجال الإطفاء في تحدي النيران، وأن أغلبية المحال مليئة بالبضائع، وهي تحوي مواد بلاستيكية سريعة الاشتعال.
المساحة المتضررة من الحريق تقارب 2800 متر مربع، عدد العقارات المتضررة 20 عقاراً «باب بريد» المحال المتضررة 100 محل منها ما هو بحاجة إلى إعادة إعمار أو ترميم كامل، و4 محلات أضرارها أقل من ذلك، فهنالك أكثر من 70 محلاً بحاجة لا عادة بناء، وأكثر من 15 محلاً بحاجة إلى تدعيم، وأكثر من 10 محلات تحتاج إلى ترميم أسقف ونحو 30 محلاً تحتاج إلى ترميم جدران…
المحلات أكثر من نصفها آجار والباقي ملك يعمل فيها أصحابها، أغلبية المحال تحتوي على «سقيفة» وتستعمل كمستودع منها ما هو منظم والباقي مخالف!؟ وقد تضرر نحو 150 شخصاً هم عدد العاملين في المحلات المتضررة، عدا عدد أفراد أسرهم..
هذا هو الواقع المأساوي لكارثة سوق العصرونية..
البنك العثمانيs الإنكليزي
مبنى «البنك الإمبراطوري العثماني أو بنك زلخة» هو بناء أثري يدرج ضمن الأبنية ذات الأهمية التاريخية، أنشأ عام 1313 هجري – 1895 ميلادي، وتبلغ مساحته الكلية 751م2، وهو أول بنك أسّس وبُني في مدينة دمشق القديمة، وصُمّم خصيصاً لهذه الوظيفة على طراز فن العمارة الأوروبية مع التأثيرات الفنيّة العثمانية، له سطح جملوني وواجهته الخارجية تزينها الشرفات… يتألف من طابقين، الأرضي يحتوي على أربعة محلات ورواق وفسحة سماوية مسقوفة لم يزل فيها آثار البناء التاريخي من بحرة ماء والدرج الرخامي المؤدي إلى الطابق الأول، والطابق الأول يحتوي على أكثر من عشرة محلات ورواقاً وفسحة سماوية مسقوفة وشرفتين مطلتين على الطريق.
يقع البنك الإمبراطوري العثماني ذو الجنسية الإنكليزية بدمشق في موقع تجاري مهم على مقربة من أسواق دمشق التجارية في سوق العصرونية، وكان من أهم المؤسّسات المصرفية حتى مطلع القرن العشرين، وهو فرع من البنك الرئيسي في لندن ورأسماله بالكامل بريطاني، وفي عام 1924 م، أصبح (مصرف سورية ولبنان الكبير) وأصدر هذا المصرف النقد السوري حينها، وافتتح عدة فروع له في أنحاء سورية، وفي عام 1932 م اشترت مؤسسه مالية يهودية كبرى اسمها «خضور، عبود، زلخة» ومركزها الرئيسي في بغداد مبنى البنك، وهي من أهم الشركات المالية في العالم، وفتحت بنكاً في هذا المبنى اشتهر باسم «بنك زلخة» وقاد هذا البنك «زلخة» السوق المالية السورية.
على أثر حرب عام 1948 م وتحديداً عام 1949 م أغلقت الدولة السورية هذا البنك ومن ثم اتبعته لأملاك الدولة.
في نهاية السبعينيات تمّ استثمار المبنى بعقد أجار لمدة 99 عاماً، حيث قام المستثمر بتقسيم المبنى من الداخل إلى محلات تجارية ومستودعات وأستأجره منه التجار، ولأسباب لا نعرفها ونجهلها أصبح هذا البنك مع الزمن ملكاً خاصاً!؟ «لم يزل إلى الآن هنالك أسهم قليلة جداً باسم الدولة السورية» وهكذا تغيرت هوية ومعالم البنك بشكل كبير، فالطابق الأرضي لم يعد يحمل معالم البناء الأصلي، وأصبح محلات تجارية، أما الطابق الأول فالواجهات لم تزل تحافظ على معالمها، إنما البناء من الداخل فقد معالمه التراثية!؟
تعرض هذا البنك للحريق يوم السبت 23-4-2016 م، وكانت أضراره أقل من باقي أضرار المحال التجارية، فهو بشكل عام بحاله مقبولة ويحتاج إلى أعمال ترميم وخاصة الطابق الأول منه، وفعلاً تم البدء مباشرة من أصحاب أو مستأجري المحال التجارية بأعمال الترميم المخالفة للشروط التي وضعت من قبل الجهات المعنية في محافظة دمشق، فتم إيقاف هذه الأعمال الترميمية، طبعاً أعمال الترميم هذه ستكون لإعادة المحال التجارية إلى وضعها السابق وليس للمحافظة على هذا البناء التاريخي كمعلم يحكي ويروي قصصاً وحكايا عن الوطن!؟.
من أحرق سوق العصرونية؟
يجب أن نشير بالبنان إلى مكامن الخطأ والإهمال، سواء كان من الجهات المعنية والوصائية في الدولة، أو من الأفراد والمواطنين، يجب أن نصرخ بأعلى صوتنا حافظوا على تراثنا وأوابدنا التاريخية، فخلال السنوات الماضيات طالت الحرائق العديد من هذه الأماكن التاريخية والأوابد، ولم «نتربَّ» بل ما زلنا نهمل تاريخنا وتراثنا، إن المسؤول الأول والأخير عن هذه الحرائق الجهات الوصائية والمواطن، فدمشق القديمة لها طابعها الخاص في المحافظة عليها ولنأخذ مثالاً وهو حريق سوق العصرونية، فمن جهة المواطن «التاجر» لم يتبع شروط الأمن والسلامة المهنية، فحسب المعلومات المتواردة أن سبب الحريق بطارية سيارة تستعمل للإنارة تركت موصولة بالتيار الكهربائي «عوضاً عن فصل التيار الكهربائي عن المحل»، في سوق العصرونية بكامله لا يوجد جهاز إنذار عن الحرائق ناهيك بعدم توافر طفايات الحريق اليدوية، وإن وجدت فإنها توضع في أماكن يصعب الوصول إليها أو تكون منتهية الصلاحية، واستعمال المدافئ الكهربائية، ووجود العديد من أسطوانات الغاز ضمن المحل التجاري الواحد «وهذا مما ساعد في كارثة العصرونية» إضافة لتخزين المواد السريعة الاشتعال بطرق بدائية لا تراعي أي تعليمات للسلامة المهنية… والجهات الوصائية تتحمل المسؤولية أيضاً في كارثة العصرونية، لأنها تغاضت عن كل أسس الأمن والصحة المهنية للمحال التجارية في السوق، فلم تلزم أو تعاقب أي تاجر على إهماله وفوضويته وعدم التزامه بتعليمات الأمن والسلامة المهنية… يا عشاق الوطن حافظوا على تراثنا وتاريخنا، ولا تأخذكم لومة لائم..
الآن
حريق مؤلم وموجع!؟ انتهى حريق سوق العصرونية وخسرنا كوطن وخسرنا كأفراد، خسرنا كوطن سوقاً أثرية تاريخية، وخسرنا ملايين الليرات السورية، وأصابت الكارثة العديد من التجار وعشرات العشرات من الأفراد وأسرهم ممن يعملون في هذا السوق…
حصل ما حصل.. ونريد الآن إعادة بناء وترميم السوق فكيف نسمح للمستأجر أن يعيد بناء المحل التجاري، دون رأي المالك!؟ وهذا له انعكاساته الحقوقية في المستقبل!؟ كيف نسمح بعمليات الترميم من دون دراسة كاملة للسوق لنعيد الألق وبعضاً من العراقة والأصالة لهذا السوق التاريخي آخذين في الحسبان شروط الأمن والسلامة المهنية، أين نقابة المهندسين!؟ أين الجمعيات التي تنادي بالحفاظ على دمشق القديمة!؟ أين المثقفون، أين الإعلام من كل ما طال ويطول سوق العصرونية؟… يا عشاق الوطن حافظوا على تراثنا وتاريخنا، ولا تأخذكم لومة لائم..
الوطن