تراثنا الوطني بين أزمة الآثار وآثار الأزمة ، هل حقا اثارنا بخير؟؟

 

بينما نشهد في هذه الأيام تفاصيل صولة وجولة دبلوماسية وإعلامية بين الدول الكبرى لترميم آثار تدمر وتقرير مصيرها بعد التحرير، تُفاجِئُنا صحيفة «الغارديان» البريطانية بتصريحات مثيرة للدهشة منها ما هو منسوبٌ إلى مدير آثارنا ومتاحفنا المحتفل مع البريطانيين في لندن بتاريخ 20/4/2016 بتشييد نسخة مصغّرة من قوس النصر التدمري الذي دمّره تنظيم داعش الإرهابي في المدينة…وبينما أشاد المدير العام بالنسخة البريطانية (التضامنية معنا) من قوس النصر التدمري، أشادت صحيفة «الغارديان» بتصريحه حول ما جرى لآثار تدمر، ذلك التصريح الذي ننقله -بتحفُّظ- بِـحَرْفِيّـته عن نسخته العربية كما وردت في أحد مواقعنا الإعلامية الناقلة عن «الغارديان»، فهل تُرجم التصريح بدقّةٍ تجعل منه نسخة إنكليزية مصغّرة من تصريحات مدير الآثار المشابهة حول وضع آثارنا كما سنرى؟! 

جاء تصريح مدير الآثار على لسان «جوناثان جونز» في المقال المنقول عن «الغارديان» بتاريخ 18/4/2016 كما يلي:… استهلت جونز مقالتها بقول لمدير الآثار السوري جاء فيه: «يجب ألا تنهض تدمر مجدداً، يجب ألا تُبدّل بنسخة مزيفة بدلاً عن نسختها الأصلية السابقة. إنما وبدلاً من ذلك، يجب أن نحافظ على ما تبقى من هذه المدينة التاريخية القديمة بعد دمارها على يد داعش، حيث كان رحيماً أكثر مما كان يتوقعه الكثير من الناس، وذلك بأمانة وإحساس يليق بمثل هذا الكنز التاريخي »…!!!

آثارنا خلال الحرب المفتوحة على سورية

لعل المتابع لسيل الأحداث الكبرى منذ سنوات خمس في سورية لم يَفُتْهُ ما تعلّق منها بالموضوع الأثري، ذلك أنه موضوعٌ جليٌّ وفائق الوضوح ضمن فصول الحرب المفتوحة على سورية بكل مكوناتها الجغرافية والتاريخية والبشرية.

ولأن ملخص المؤامرة على البلاد يتجسّد في محاولة رسم خرائط جديدة لها -تتبع حدوداً عرقية وإثنية وطائفية مرفوضة ومُناقِضة للطبيعة والتاريخ والمنطق- تنبثق عن الخريطة الأم -المرسّوم جلُّ حدودِها الحديثة وفق مواثيق الأمم المتحدة- فإن للآثار السورية النصيب الأوفر من زحمة المعارك الهمجية الموجّهة ضدّنا ضمن هذه الحرب.

معركة التصريحات الإعلامية.. الخفايا والأبعاد:

لا تقلُّ معركة التصريحات الإعلامية شأناً عن معارك الأسلحة النارية، أما التصويب الصحيح فهو القاعدة الأساسية في إصابة أي هدف، فهل بلغت تصريحات مسؤولينا المعنيين بالآثار الوطنية أهدافها في تنبيه المجتمع الدولي وتوعية المجتمع المحلي على الكارثة التي حلّت بآثارنا، وتعريفه بالواقع الذي كان يجب أن تكون عليه تلك الآثار، ثم الحالة التي وصلت إليها، من أجل أن تُـتَّخذ الإجراءات الممكنة والتدابير المتاحة والسليمة لصونها وحماية معطياتها؟!

هو سؤالٌ طُرح منذ بداية الأحداث المؤلمة التي ألَّمـتْ بالبشر وألـمَّت بالأثر، وأتت الإجابة عليه من دراسة التصريحات المذكورة وما ارتبط بها من أحداث على الأرض.

بين متاحفنا وآثارنا

منذ مطلع عام 2012 تحدثت تقارير إعلامية عدّة عن تعديات هائلة وسرقات للكنوز والمواقع الأثرية السورية، لكن تعليق المديرية العامة للآثار والمتاحف كان النفي بلا حدود تحت الشعار القديم الجديد «متاحفنا بخير» وهي مؤمنة تأميناً جيداً…وهذا الشعار ليس وليد الأزمة، بل نراه منذ عام 2003 من دون انقطاع. 

وهي عبارةٌ قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى مسؤولي الآثار المتعاقبين، لكنها القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة إلى الرأي العام لأن الأمر لا يتعلق بمتاحفنا فحسب وإنما بكل آثارنا، فيأتي تكرير العبارة المذكورة وتكرارها إلى يومنا هذا محاولة من البعض للإيماء والإيهام بسلامة «الكل» عبر الحديث عن سلامة «الجزء»، فحتى الدول المتقدمة في العمل الأثري والمتحفي لا تعرض –أو تخزّن- كل آثارها في المتاحف، ولكن إذا وقعت حادثة سرقة أو تخريب لأثر ما خارج المتاحف، فهل يُعفى المعنيون من مسؤولية ما حدث؟! 

ومع ذلك فمتاحفنا ليست كلها بخير، أما آثارنا فلا أقسى ولا أشدَّ من عناوين فجيعتنا اليومية بها منذ سنوات، رغم دفاع مدير الآثار عن إجراءات مديريته بالقول لجل وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية, طيلة السنة الأولى, من الأزمة وتثبيت القول على أثير الفضائية السورية عبر برنامج «البلد بلدك» بتاريخ 15/3/2013: «لم تُسرق من متاحفنا وخلال ثلاثة وعشرين شهراً من الأزمة سوى قطعتين، واحدة من حماة والأخرى من آفاميا…»!…رغم أنه وعلى أثير البرنامج نفسه صرّح قائلاً: إن الحديث عن فقدان عشر قطع أو خمس عشرة قطعة أثرية من متحف معرة النعمان، إنما يتطلب عملية جرد من قبل أمين المتحف ليتأكد من ذلك…!كما أضاف إلى كلامه المتناقض-حين امتدح دور أحد الفرنسيين في نفس الحلقة- «إن مدير المعهد الفرنسي للشرق الأدنى «مارك غريسمر» أبلغنا بوجود 18 لوحة فسيفساء سورية مهرّبة إلى لبنان…»…!

وكانت تلك اللوحات قد هُرِّبت في شهر تشرين الأول 2012 عبر الحدود اللبنانية بواسطة حافلة سورية تحمل رقماً من محافظة إدلب… وفيما ألمح بعض الفنيين إلى أن تلك اللوحات لم تُنتَشل من الأرض –حسب جريدة «الأخبار»(6كانون الثاني 2013 -جوان فرشخ بجالي) فإن الموضوع يحيلنا إلى مأساة الفسيفساء السوري ضمن كارثة الآثار السورية ككل بمتاحفها ومواقعها ومستودعاتها…تلك المأساة التي رصد موقعنا الإخباري (جهينة نيوز) بعض تفاصيلها في مقالة نُشرت بتاريخ15/8/2010 حملت عنوان «رصيد سورية من الفسيفساء التاريخي…بين اســــتنفار «الداخلية» واســــتهتار «الآثار» 

فالفسيفساء السوري جزء مهم من التركة الأثرية الكبيرة، يلخص بفنونه ومحتوى لوحاته عصوراً بأكملها… وما يسترعي الانتباه والدهشة تعميم صادر عن المديرية العامة للآثار والمتاحف يحمل الرقم 135 تاريخ4/7/2010…وقد سطر هذا التعميم بناء على كتاب وزارة الداخلية بخصوص «بيان ما إذا كانت لوحات فسيفسائية مرفقة صورها مسروقة من المتاحف أو المواقع السورية…»!!! وفي التعميم تطلب مديرية الآثار من متاحفها ودوائرها في المحافظات موافاتها بكامل المعلومات المتوفرة عن اللوحات بالسرعة القصوى لتتمكن من «مخاطبة الجهات الأمنية المختصة»! فكيف تجهل مديرية الآثار ما لديها وما ليس لديها من لوحات فسيفسائية في متاحفها ومواقعها الأثرية؟ وإذا كان ثمة لوحات مسروقة من متاحف المديرية أو من مواقعها الأثرية، فمن يجب أن يبلّغ من؟!!…أمديرية الآثار أم وزارة الداخلية؟؟!! وأين التوثيق والأرشيف الإلكتروني بل أين الأرشيف الورقي؟ وفي العام المذكور –أي 2010- فُقدت لوحتا فسيفساء حديثتا الاكتشاف في موقع تل النبي هوري بالقرب من حلب، ولم يتوصل التحقيق إلى «مكان فقدهما» –وربما لم يصل إلى هذا المكان-…وربما –نقول ربما- كانت لوحتا النبي هوري ضمن تعميم الآثار المبنيّ على كتاب الداخلية…!

وبشكلٍ عام فإن عام 2012 هو عام مليء بالأحداث الصعبة التي شهدتها الآثار السورية، وكان لا بد من الأخذ بتقارير الإعلاميين في ذلك العام والتي اعتمدت على الشهادات والوثائق والصور، نذكر منها مقالة نشرها موقعنا أيضاً في 22/8/2012 بعنوان «دمرت الكثير من المعالم.. عصابات «الجيش الحر» تحوّل متحف معرة النعمان إلى ثكنة وتسرق الآثار بالسيارات».

وهكذا فجل المواقع الأثرية المهمة قد تم نهبها وتخريبها، وآلاف القطع الأثرية تم السطو عليها في مخازنها السرية -أحياناً- ولعل أهمها مستودعات الآثار في الرقة وتدمر، هذا فضلاً عما تم فقدانه في السنوات السابقة من قطع أثرية ومعطيات لا تقدّر بثمن. 

إشكاليات التوثيق الأثري 

تصرّح مديرية الآثار بأنها قامت بتوثيق آلاف القطع الأثرية، رغم اعترافها بأنها تجهل ما لدى القطر من قطع أثرية بسبب عدم التوثيق والتسجيل والحماية، إذْ وردت في خطابها الرسمي عبارة «صور على الهواتف النقّالة يُعتقد أنها لقطع أثرية سورية»! هذا فضلاً عن تعاميم المديرية إلى دوائر آثارها ومتاحفها بضرورة تصوير ما لديها من قطع أثرية من أجل التوثيق، ثم تقديم المديرية الشكر إلى أحد طلبة السياحة في حلب لقيامه بتصوير مساجد حلب الأثرية كمالك حصري للصور…!!… فما الذي كانت تفعله مديرية آثار حلب إذا لم تكن تملك صور مساجدها الأثرية قبل الأحداث؟ وكيف تدعي مديرية الآثار أنها وثقت الآثار التوثيق الأمثل؟ وكيف يظهر مسؤولوها الحاليون والسابقون على وسائل الإعلام ويدّعون تمام عمليات توثيقهم؟…ويجدر بالذكر هنا أن لجنة رقابة وتفتيش لا يمكنها ضبط ما يجري بخصوص مشروعات التوثيق بسهولة قبل الاطلاع على المنشورات و«الكاتالوكات» الأجنبية الخاصة بالآثار السورية، تلك المنشورات التي تجعل من حديث مسؤولي المديرية عن عمليات توثيقهم (الناجعة) للآثار حديثاً بلا مستندات. 

تصريحات «من دمشق» تتجاوز الحدود

بتاريخ 21/12/2013 صرّح المدير العام للآثار والمتاحف لقناة الميادين عبر برنامج «من دمشق» للمذيعة ديمة ناصيف أن «المتاحف السورية بخير باستثناء متحف الرقة وبعض متاحف التقاليد الشعبية، وأن المسلحين من أبناء بعض المواقع الأثرية حيّدوا تلك المواقع وحموها(!)، وقد نجح ذلك –حسب قوله- في مواقع بإدلب وإيبلا والقامشلي ومعرة النعمان…كما صرّح أن 4000 قطعة أثرية كانت في طريقها للتهريب، تمت استعادتها ولكن هناك قطع هُربت، وأن جميع القطع الأثرية في سورية مؤرشفة بشكل كامل وأن لديه بيانات عن أي قطعة تُسرق! كما صرّح أن ما جرى في الرقة هو سرقة 1000 قطعة من مستودعات هرقلة، وقال إنها مهمة رمزياً وعلمياً وغير مهمة متحفياً وادعى أن لديه جميع بياناتها وسيطالب الإنتربول بمتابعة القضية…والقطع المسروقة كما قال- هي بضعة مئات من القطع والكسر الجصية خاصة بالمستودعات…وبضع مئات من فخاريات مكسورة ومكررة بالآلاف…! وقد كرّر مدير المباني الأثرية المستضاف في قناة الميادين مع مدير الآثار ومدير الهندسة أن «المتاحف بخير وأن ما تتحدث عنه الصحف من أن الوضع كارثي في المتاحف غير صحيح…مضيفاً: إن كل المتاحف وضعها جيد، وقد انتخبنا قطعاً ونقلناها إلى أماكن آمنة. كما صرّح قائلاً: نحن كمختصين نشك بأن آلاف القطع المهربة حقيقية»…!…أما مدير الهندسة فقد تحدث عن وجود تفاهمات مع المجموعات المسلحة في بعض المواقع لتحييد وحماية المواقع الأثرية والآثار، قائلاً: «في معرة النعمان، بمتحف معرة النعمان -حسب معلوماتنا- المسلحون حاولوا أن يحموا الموجودات في المتحف الذي يحتوي على مئات من القطع الفسيفسائية المهمة، وفي كثير من المناطق حاول المسلحون أن يحيدوا المبنى الأثري من الهجوم وقد نجح ذلك في بعض الحالات…»! 

تصريحات داعمة بلا حدود

وقد دعمت وزيرة الثقافة السابقة د. لبانة مشوّح حديث ضيوف «الميادين» في لقائها مع قناة الإخبارية السورية في 2/3/2014 حيث صرّحت أن الآثار والمتاحف بخير وأنها موثّقة كلها! وأن المتحف الوحيد المتضرر هو متحف الرقة، كما خفّفت من هول سرقة صناديق الآثار من مستودعات الرقة قائلة: ما زال لدينا الكثير من الآثار(…) وكانت الوزيرة مشوّح في وقت سابق قد صرّحت لجريدة «بلدنا» في 3/9/2012 قائلة: نستطيع القول إن المتاحف السورية بشكل عام مؤمنة، ولم تتعرض للسرقة أو التخريب كما يشاع.

ومن جهته أكّد وزير الثقافة المحامي عصام خليل للفضائية السورية في 30/9/2015 أن «98% من آثارنا بخير وهي موثقة بشكل كامل.» هذا فضلاً عن نفس التأكيدات لقناتي «المنار» و«الإخبارية السورية» بتواريخ مختلفة العام الفائت…

فعلى أي مستندات بنى الوزيران المذكوران تصريحاتهما، وهل استعرضا –أو اطّلعا على- برنامج توثيق معلوماتي واحد مكتمل للآثار والمتاحف؟…على سبيل المثال الفسيفساء، المنحوتات الحجرية، الألواح المسمارية (وخاصةً العائدة إلى إيبلا وأوغاريت وماري وقطْنا وتل براك وغيرها…كل الألواح المسمارية السورية المكتشفة، أين توثيقها؟…هناك لوائح أجنبية لبعض الألواح المسمارية السورية التي لا يوجد لها بيانات في مديرية الآثار رغم أنها مكتشفة نظامياً!)، التلال الأثرية التي تعد بالآلاف، المواقع الأثرية بتنقيباتها ومكتشفاتها (معلولا مثلاً، ماذا تملك مديرية الآثار من توثيق لها ولآثارها من بيوت وكهوف ومغاور ومكتشفات؟ وكذلك الأمر «دورا أوروبوس، أين التوثيق الخاص بها وبمكتشفاتها؟ المباني الأثرية، القطع الأثرية المخزّنة في المستودعات (مستودعات المتاحف، الخانات، وهل تم توثيق كل معروضات المتاحف؟…)، الآثار السورية المعروضة في المتاحف العالمية، هل هناك برنامج توثيق خاص بها؟ والأيقونات، حيث نشر موقع مديرية الآثار بتاريخ 21/12/2014 –ثم جريدة تشرين- خبر اعتزام مديرية الآثار إنشاء قاعدة بيانات للأيقونات الأثرية الخاصة بكنائس القطر وأرشفتها، فهل ينطبق ذلك مع الحديث عن أن الآثار السورية موثقة بشكل كامل؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر أين برنامج توثيق آثار الرقة التي سُرق جزء مهم منها وتم تهريبه خارج القطر؟ ثم ما قواعد البيانات المنجزة في الآثار والمتاحف؟ لا بد من بيان ما قامت به المديرية العامة للآثار والمتاحف من ناحية التوثيق الأثري المعلوماتي في اتجاهين: 1- البنى البرمجية وعلاقاتها ببعضها.. 2- المحتوى- بالاستناد إلى علم البيانات المقارن- وذلك بهدف معرفة ما تم توثيقه فعلاً وقيمته المعرفية وقدرة تلك المعلومات على حفظ هذا التراث من الضياع. ولا بد من الاحتكام العلمي في مسألتين 1- حقيقة إنتاج المؤسسة الأثرية وخاصة في مجال التوثيق المعلوماتي 2- العمل الأجنبي وخاصة في مجال قواعد بيانات النشر الأثري والمنشورات المتمثلة بالكتب والدوريات…ماذا تعرف عنها مديرية الآثار وهل وثّقت شيئاً منها؟

ولا يفوتنا أخيراً أن نعلّق بالقول إن «كريستوفر مارينيلو»، المحامي الأميركي ومدير مجموعة استعادة الفنون يصرّح للإعلام الدولي قائلاً: «نحن على علم بتهريب عدد من القطع الأثرية من سورية. وكمحامٍ في نيويورك، أمثل العديد من المعارض الفنية ودُور المزادات والوسطاء ممن يواجهون مشكلات في جلب وإرسال قطع داخل وخارج الولايات المتحدة، لذا فأنا على علم بمسارات سرقة وتهريب القطع الأثرية، وتحتوي قاعدة البيانات لدينا على مئات الآلاف من القطع»…كما لا يفوتنا أن نذكر اعتزام معهد الآثار الألماني مؤخراً إطلاق مشروع توثيق التراث السوري!

كارثة آثار إدلب

بتاريخ 5/4/2015 أجرت إذاعة شام إف إم لقاءً هاتفياً مع مدير الآثار بخصوص الكارثة التي حلّت بمدينة إدلب، ولكن مع الأسف لا يمكن الشعور بجدوى المعلومات أو الحجج التي أوردها لا سيما وأن سؤال الإذاعة الرئيسي كان حول عدم قيام مديرية الآثار بنقل آثار متحف إدلب إلى أماكن آمنة لحمايتها، وقد أوضح مدير الآثار في اللقاء قائلاً حرفياً: «بدون مبالغة حتى منظمة اليونسكو, وكل المنظمات الثقافية العالمية, اعتبرت التجربة السورية في المديرية العامة للآثار والمتاحف ووزارة الثقافة السورية تجربة عالمية.. وبقدر قسوة الأزمة كانت الإجراءات علمية ومهنية عالية..وبالنسبة لسؤالكم لماذا لم ننقل القطع الأثرية من إدلب على غرار بقية المدن؟ (أجيب): عندما اشتدت الأحداث في إدلب في صيف 2012 كانت الفرصة مواتية لإخلاء المتاحف وإغلاقها وحمايتها، لكن الإجراءات المتبعة في إدلب كانت ممتازة – علمية مهنية – من دائرة آثار إدلب، حيث وُضعت الآثار في مخابئ مؤمنة ممتازة وحتى هذه اللحظة(5/4/2015) فمخابئنا بألف خير, وأقول لكم ليس هناك أي خبر يفيد بنهب المتحف إطلاقاً(…) القطع الأثرية بألف خير وفي أماكنها المعتادة على اعتبار إجراءاتنا كانت صحيحة، ولكن تحذيرنا كان من الخوف من المستقبل والخوف من الأيام القادمة، لماذا؟

ما جرى في إدلب لا يشبه أي حالة سورية أخرى منذ بداية الأزمة، فعندما تقع المدينة بأيدي المسلحين أو تعيش إشكاليات عظيمة وبالتالي يبقى الموظفون على رأس عملهم، وبالتالي صمام الأمان والضامن لحماية المخابئ هم الموظفون الذين قاموا بتلك الإجراءات بطريقة علمية.. لكن الجديد أنهم مُنعوا وفرّوا من أماكنهم ورفضوا أن يبقوا على رأس عملهم ..هذا كان سبب الخشية من وراء تحذيراتنا، من خلال «رويترز» نشرنا تحذيراً عالمياً حتى نضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته.. كل المنظمات الدولية الثقافية، الانتربول، دول الجوار، الدول المساندة للمجموعات المسلحة التي في إدلب.. حالة كارثية إن حدثت الجريمة لذلك كان علينا أن نسارع ونفعل شيئاً قبل أن تحدث الجريمة»!!!!..(ولكن ماذا فعلتم؟!…هذا سؤالنا وليس سؤال «شام إف إم»).

وتعليقاً على اللقاء فهل يمكن قبول إجراءات مديرية الآثار المذكورة بخصوص آثار إدلب، تلك المدينة التي استبيحت من العصابات بشكل كبير ومنذ الشهور الأولى؟ لماذا لم تقم المديرية بنقل آثار متحف إدلب قبل احتلالها، علماً أن الأمر كان متاحاً حتى قبل أيام من ذلك الاحتلال؟ وهل يمكن الاعتماد على تطمينات بعض العاملين هناك؟ وأي مصير حلّ بأولئك, أو اختاره البعض منهم؟ فبعض الأخبار تؤكد شراكة بعضهم مع أعضاء التنظيمات المسلحة، ولو بعلاقات قرابة، ولعل السماح بتحويل موقع إيبلا الأثري –التابع لمحافظة إدلب- إلى ساحة لتدريب الإرهابيين على الأسلحة الحديثة، كان كافياً لاتخاذ إجراءات سريعة –كانت ممكنة- بخصوص آثار إدلب، والسؤال الآن ماذا حلّ بآثار متحف إدلب التي تعد فائقة الأهمية؟

بل ماذا حلّ بآثار محافظة إدلب بمجملها كآثار ثابتة ضمن متحفها الطبيعي الطلق وغير المشمولة بالحماية المطلوبة من حراسة وتوثيق، رغم حديثٍ رسميٍّ سابقٍ للأزمة يتحدث عن مشروع تسجيل أهم مواقعها «المنسية» ضمن لائحة التراث العالمي؟ فالأنباء الجديدة الآتية من المدن المنسية (الكتلة الكلسية في الشمال السوري) تشير إلى أن قِطَعاً من الآثار الحجرية الثابتة المزخرفة العائدة إلى تلك المنطقة –بلغ عددها 141- قد تحولت إلى آثار منقولة عبر قاطرة ومقطورة مموّهة الحمولة حاولت تجاوز حدود «الدبوسية» باتجاه لبنان، ولدى توقيفها اتُّبعت الإجراءات القانونية بشأنها من خلال لجنة متخصصة من دائرة آثار طرطوس رأت في جل تلك القطع الحجرية قطعاً أثرية حقيقية ذات قيمة تاريخية باعتبار انتمائها للقرنين الرابع وحتى السادس الميلاديين –أي فترة ازدهار المسيحية في سورية-، لكن لجنةً أخرى برئاسة مدير الآثار والمتاحف –لم تضم إليها أي عضو من لجنة آثار طرطوس- كانت قد نفت الصفة الأثرية عن القطع المذكورة!…وفيما تحتاج عمليات إقرار أثرية قطع ما أو رفع الصفة الأثرية عنها إلى مراجعة علمية دقيقة، يبقى السؤال مفتوحاً كمحضر لجنة آثار طرطوس، وكمعبر «الدبوسية» أمام قاطرات ومقطورات تموّه بضائعها المزخرفة، ولا نعرف لماذا التمويه طالما أن لجنة مدير الآثار تقر بحداثة تلك البضائع!

كارثة آثار تدمر

أعلن المدير العام للآثار يوم الثلاثاء (26 أيار/ 2015) لرويترز وغيرها أن مدينة تدمر الأثرية التي سيطر عليها إرهابيو «داعش» في 20/5/2015 «بخير ولم تلحق بها أضرار حتى الآن». لكنه أضاف أنه مازال يخشى أن يفجر التنظيم المتشدد بعض المعالم الأثرية في المدينة بما في ذلك المدافن البرجية ومعبد بعل…وبالفعل تعرّضت المدينة إلى أبشع أشكال التدمير الهمجي الممنهج لمعالم حضارتها من عصابات «داعش» الإرهابية، فشمل الدمار معبد بعل شمين ومعبد بل (بعل) والمدافن البرجية وقوس النصر التدمري وتمثال أسد اللات النادر, ووزنه 15 طنا وارتفاعه 3 ونصف متر, وآثاراً أخرى، بالإضافة إلى استباحة «داعش» لمتحف تدمر وعديد المواقع والمدافن الأثرية فيها وتخريب عدد كبير من تماثيل المدينة وطمس معالمها…ما دعا مدير الآثار للقول عبر أثير قناة(آر تي الروسية) في 15/9/2015: « ما قلناه في شهر أيار يتحقق على أرض الواقع مع كل أسف»…

وكل ذلك ترك صورة كارثية في المدينة فُجعت بها أوساط المختصين ووسائل الإعلام ومنظمة «اليونسكو» التي أكّدت مديرتها «إيرينا بوكوفا» أن المنظمة لن تستطيع إعادة الأوابد الأثرية في تدمر كما كانت، مما يناقض تصريحات مدير الآثار بعد تحرير المدينة حيث صرّح لوكالة أنباء «سبوتنيك» بتاريخ 26/3/2016 أن «الصورة كانت واضحة بعد مشاهدة الفيديو (الروسي) لافتاً إلى أن الكتل الضخمة وأسوار «بل» والمسرح والمصلبة والشارع المستقيم بخير ولا توجد به أضرار». 

مضيفاً: كنا نتوقع أن تكون هناك أضرار بالمسرح في الشارع المستقيم وأسوار المعبد, ولكن الحمد الله كلها وضعها ممتاز فالتصوير كان بطريقة محترفة وواضحة، والوضع غير سوداوي…!وتحدث أيضاً عن 

وجود نوع من الاستثناءات من حيث الحفريات الصغيرة، التي لا يمكن لطيران التصوير أن يصل إليها، إضافة للتفاصيل الصغيرة جداً التي لا يمكن معرفتها وهي تحتاج إلى رؤية بشكل أدق بعد زيارة المدينة لأنها تتعلق بالتنقيب غير الشرعي…»… وفي تصريحات لوكالة أنباء فرانس برس الأحد 27/3/2016 قال مدير الآثار: «غالبية التماثيل التي دُمرت في تدمر قابلة للترميم، وأن هذه المدينة الأثرية ستعود كما كانت… كنا نتوقع الأسوأ، لكن المشهد العام بخير، وكان يمكن أن نخسر تدمر نهائياً، إلا أنها ستعود كما كانت…»…!

أسوار المعبد بخير.. بقي المعبد ومحتوياته!

وفي تصريحه لإذاعة «شام إف إم» في 27/3/2016 بمناسبة تحرير تدمر أشاد مدير الآثار بسلامة أسوار معبد بل(!)، وأفاد بأن «الوضع مُطَمْئِن، والمشهد البانورامي العام في موقع تدمر جيد من خلال صور الطائرة الروسية التي تعطينا صورة كاملة عن أن أسوار معبد بل بألف خير(!)، المسرح بألف خير، الشارع المستقيم، المصلبة، الأسوار، المنظر العام بخير…حالة الوضع في تدمر جميلة جداً بعد كابوس عشرة أشهر(حسب صور ماهر مونس مراسل شام إف إم)…ويتابع: كم كان العالم متعاطفاً معنا في معركة تدمر…فعلاً عندما وجدتُ لقطات معبد بل وهي متألقة بأسواره(!).. هناك أمل في قلوبنا…سنعيد الأمور إلى نصابها من خلال أعمال الترميم وإعادة بناء معبديْ بل وبعلشمين…نحن قادرون على إعادة الأمور إلى نصابها في تدمر بجهودنا الوطنية وإمكاناتنا لكننا سنطلب من اليونسكو التصديق العلمي ونحن بحاجة إلى تبادل المعلومات مع المنظمات المعنية بالشأن التدمري»…

هل من توثيق لآثار تدمر؟

وتكثّف ظهور مسؤولي مديرية الآثار في وسائل الإعلام بعد تحرير تدمر، لكن لم يشخّص أيٌّ منهم الوضع بعلمية أو مهنية أو حتى حُسن اطّلاع، بل منهم من أوحى أنه أحصى أضرار المدينة بزيارة واحدة! كما لم يعرض أيٌّ منهم ما يجعل المتفرجين –ومنهم منظمة اليونسكو- يطمئنون ويثنون على تلك العلمية والمهنية, مثل نماذج أثرية تدمرية موثّقة قبل الكارثة ومدمّرة بعدها، تتيح للجهات المرممة القيام بالترميم الأمثل أو إعادة البناء…وهنا لا بد من الحديث عن الأهمية القصوى لمشروعات التوثيق الوطنية المهملة في مديرية الآثار والتي درست حقول التوثيق وتطبيقاتها في الآثار حيث تنقسم إلى: 

التوثيق في مجال المتاحف.

التوثيق في مجال التنقيب.

توثيق المواقع الأثرية.

توثيق المباني الأثرية بوظائفها المعمارية المختلفة…فأين على سبيل المثال لا الحصر قاعدة البيانات الخاصة بتدمر والتي يجب أن تهتم بالبنى المعمارية بجوانبها كافة؟ ولماذا لم يتم تفعيل مشروع e-Archaeology لخبير المعلوماتية السابق؟ ألم تصدق عليه عدة جهات علمية محلية وعربية ودولية كأهم مشروع توثيق معلوماتي شامل للآثار السورية؟

رأيٌ في موضوع التصريحات 

لا نستطيع بعجالة حصر ما وقع للآثار السورية خلال الأزمة، لكنه بالتأكيد كارثي وممنهج ومدروس، على أن أزمة الآثار ليست من آثار الأزمة فحسب، فالتراث السوري –ومعه كل تراث بلاد الشام والعراق- مستهدف منذ زمن من الاستعمار الحديث ومدارسه الجديدة، ومن الكيان الإسرائيلي الذي استخدم في المؤامرة على سورية كل أدواته لاستكمال مخطط صهيوني يستهدف الهوية السورية لصالح تكريس وجود كيان يهودي بين كيانات مقسمة منزوعة الشواهد الحضارية والأدلّة الأثرية على وحدتها التاريخية.

وعودةً إلى موضوع تصريحات وزارة الثقافة وإدارة الآثار، فهي لم تُغطِّ ما حدث للآثار في «عين العرب» على غرار غيرها من المدن والقرى السورية، ولم تُناقش مصير التاريخ السوري مستقبلاً وواقع آثار المنطقة التي يود انفصاليو الأكراد الاستئثار بها في سورية بناءً على مزاعم لا أسس لها في التاريخ… أما القاسم المشترك بين هذه التصريحات إلى اليوم فهو أن الآثار والمتاحف بخير، ورغم حجم الدمار الهائل للمواقع والمباني الأثرية والأوابد والشواهد الحضارية، والضياع المؤسف لآلاف القطع، فقد بدأت التصريحات وانتهت إلى يوم تحرير تدمر بنفس الصيغة تقريباً ونفس الإصرار عليها، فماذا يعني ذلك؟

في الظروف العادية قد نتفهّم قيام إدارة الآثار بالدفاع عن إجراءاتها وتدابيرها المتخذة لحماية المتاحف والمواقع وغيرها من باب دفاعها عن حُسن أدائها، ولكن في ظروف الحرب وأجواء كل ما حدث في حقول الآثار، هل من المعقول قبول هذه التصريحات، ووسائل الإعلام ومراكز البحوث لم تترك شيئاً إلا وأبرزته للجمهور؟!

لا نريد أن نستيقظ يوماً من كابوس ما حصل فعلياً لآثارنا وحضارتنا ليقال لنا «هي هكذا كانت ولم تزل، وما حصل أمرٌ بسيط تم تداركه وإصلاحه بمعونة المنظمات الدولية والدول»!!!

إن اعتراف السلطة الأثرية بالأمر الواقع الحقيقي هو ما يجب أن يحدث لأن ذلك سيرتّب على أجيال المسؤولين المعنيين والباحثين مطالبة العالم كله باسترداد ما فُقد وإعادة بناء ما دُمِّر وترميم ما هُدم قبل الأزمة وخلالها، بل مطالبة هذا العالم بالاعتراف بالهوية الأصلية التي استُهدفت من خلال نهب الآثار وتدميرها وطمسها، وهذه معركة قائمة منذ ما قبل الأزمة ومستمرة إلى ما بعدها، ومن جولاتها التصدّي لمحاولات إعادة بناء التاريخ السوري من دون أهم مكوناته وشواهده الحضارية من عصورٍ وممالك ومدن ومراحل أساسية ولغات وكتابات ولهجات وعناصر بشرية، تلك المحاولات التي لمسنا حدوثها الفعلي والرسمي، وهي لا تختلف عن فرض أمرٍ واقعٍ أثري وتاريخي مزعوم في الأزمة، تدحضه المعطيات ويرفضه المنطق وتلفظه الحقيقة. 

وختاماً، يعد الكتاب رقم 275/ص تاريخ31/12/2002 (64 صفحة) المتضمن تقرير الرقابة الداخلية في الآثار والمتاحف، والخاص برقابة وتدقيق قيود مستودعات الآثار في المتاحف من أهم التقارير الخاصة بالمتاحف السورية, ولم تعمل الإدارات المتعاقبة على معالجة ما ورد فيه بجدية، وهو يؤكد بما لا شك فيه أن المتاحف ومستودعاتها لم تكن بخير قبل الأزمة، فما بالنا في الأزمة؟ وقد تمّ تحييد التقرير المذكور وطيّه بمعرفة مدير الآثار الذي كان مديراً للمتاحف آنذاك، إلا أن صحافتنا المحلية كان لها تدخّل في الموضوع.

د. مأمون عبد الكريم يوضح ويفسر:

نعمل بمهنية عالية ونتمتع باحترام المنظمات الدولية

في اتصال هاتفي مع الدكتور مأمون عبد الكريم مدير المديرية العامة الاثار والمتاحف السورية للاستفسار حول حقيقة التصريحات التي وردت في الصحافة العالمية على لسانه والتي جاء فيها «يجب ألا تنهض تدمر مجدداً، يجب ألا تبدل بنسخة مزيفة بدلاً عن نسختها الأصلية السابقة، إنما وبدلا عن ذلك يجب أن نحافظ على ما تبقى من هذه المدينة التاريخية القديمة بعد دمارها على يد داعش، حيث كان رحيماً أكثر مما كان يتوقعه كثير من الناس، وذلك بأمانة وإحساس يليق بمثل هذا الكنز التاريخي» 

وسؤاله عن توفر الوثائق والصور والأرشيف الذي يساعد على معرفة حجم النهب والسلب الذي تعرضت له القطع الاثرية ومعرفة الشكل الحقيقي لما تم تدميره من المعالم الأثرية من داعش.

وحول عمليات التنقيب السرية التي جرت خلال فترة سيطرة التنظيم الارهابي على المدينة.

وعن التعاون بين المديرية والمنظمات الدولية خاصة اليونسكو وحجم الدور الذي ستلعبه كل جهة في عمليات الترميم واستعادة ما تم تدميره؟

كان له الحديث التالي:

80% من تدمر بخير

حول التصريحات الصحفية وأنتم صحفيون وهي مهنتكم، في بعض الأحيان يظهر السياق ليس كما هو وفي الواقع وجهة نظرنا بغض النظر عن التصريحات، أنه في 26 أيار سقطت تدمر بيد داعش وأصبح مصيرها مجهولاً وقلنا مراراً وتكراراً إننا ذاهبون نحو السيناريو الأسوأ وإن مدينة تدمر أصبحت رهينة بأيدي الارهابيين ولن نتوقع أن يبقى شيء من تدمر أمام هذا الاجرام وفعلاً بعد فترة قصيرة بدؤوا يدمرون مبنى إثر مبنى وقتلوا خالد الأسعد بطريقة لا إنسانية وبدؤوا مسلسل تدمير في المدينة وحولوا المتحف إلى سجن وشجعوا لصوص الآثار المحليين والمافيا الدولية بالعمل على التنقيب السري وخاصة في المنطقة الجنوبية الشرقية من المدينة، منطقة المدافن…

وأضاف: ما جرى كان نصراً عالمياً لكنه كان بأيدي الجيش العربي السوري ولم يقدم العالم شيئاً لتدمر باستثناء الحلفاء إيران وروسيا وللأسف كانت جحافل داعش أمام أعين العالم تهاجم المدينة من دون أن يفعل شيئاً عندما كانت داعش قادماً من شرق سورية.

إذاً ما جرى كان عملية تحرير ونصر وكنا نتوقع أننا لن نجد شيئاً في تدمر أمام هذا المسلسل الدموي خلال عشرة أشهر الماضية وانقطاع الاتصالات والمعلومات.

لكن فوجئنا والحمد لله مفاجأة إيجابية بأن المعارك كانت مهنية وتم تحرير مدينة تدمر من دون أن تحدث أضرار داخل المدينة الأثرية وبالتالي تحررت المدينة ولما نشر الصحفي الروسي فيديو في أول يوم من تحرير تدمر فوجئنا فعلاً أن أكثر من 80% من مدينة تدمر بخير، وهذا ما أعلناه مراراً وتكراراً وقلناه، وجميع الوفود التي زارت المكان سواء كانت صحفية أو علمية وجدت فعلاً أن أكثر من 80% من مدينة تدمر بخير وهذا يعطي مؤشراً لنا أنه من الممكن أن نرمم المباني المتضررة، يعني أننا لم نخسر مدينة تدمر.

ونحن أعلنا أنه بعد التحرير طالما النسبة المئوية جيدة رغم أنهم كان لديهم سيناريو إجرامي فقد وضعوا أكثر من 4000 لغم في أرجاء مدينة تدمر بعد مسلسل تدمير المباني الأثرية توقفت الأعمال لكن بالمقابل وضعوا ألغاماً في كل المدينة وأؤكد أنه كان لديهم سيناريو تفجير المدينة دفعة واحدة في لحظات ما من التاريخ ولم يستطيعوا فعل ذلك والمهم العملية تمت وتحررت المدينة.

وفي محاولة جديدة لاستيضاح الأمر حول تصريحه الذي تحدث عن داعش الرحيمة.. قال د. عبد الكريم:

إن الصفة الإجرامية واضحة وأنه بعد الكفر لا يوجد ذنب وأن داعش وضع 4500 لغم في مدينة تدمر وأكد أنهم هم علماء وليسوا بائعي عرق سوس في سوق الحميدية وأنهم يقولون إن المدينة لم تُدمر كما كان متوقعاً لأن داعش عندما دمر قوس النصر ودمر معبد بل والأبراج الجنائزية كان هناك مسلسل واضح أن هؤلاء ذاهبون إلى تدمير المدينة وأنا قلت في تصريح واضح المعالم أخذته وسائل الإعلام عن لساني أنه إذا بقي داعش في مدينة تدمر أكثر من سنة ستزول الحضارة التدمرية وهذا تصريح واضح وهو موجود ومعلن في الصحف العالمية ولكن لم يفعل داعش ذلك لأنه لم يملك الوقت الكافي لذلك وعند التركيز أكثر على قوله لكلمة «رحيم» التي أطلقها على تنظيم داعش رد د.عبد الكريم بالقول إذا أردتم تفسير قولي بأنني مع داعش فهذا موضوع آخر… وتابع: لا أحد في العالم كله إلا وأخذ بأن المدير العام للآثار والمتاحف في سورية يقول: إذا بقيت داعش في تدمر أكثر من سنة ستزول الحضارة عن بكرة أبيها.

وأضاف: إن هذا السيناريو الاجرامي المعتمد على 4000 لغم استبدل بسيناريو آخر فبدل داعش سيناريو «دراكاً» بسيناريو «رشاً» بمعنى وضعوا الألغام وفي لحظة انتقام واحدة سيفجرون المكان كله ولكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك.

وحول حقيقة وجود وثائق وصور ومعلومات عن القطع الاثرية والأماكن الأثرية لدى المديرية أكد عبد الكريم وجود مثل هذه الوثائق وقال: قمنا بإجراءات استثنائية قبل سقوط المدينة وأنقذنا أكثر من 90 % من مقتنيات متحف تدمر وهذا الشيء كانت إجراءاته حتى الساعة الأخيرة قبل سقوط المدينة وآخر عمليه له تمخضت عن سقوط جرحى من المديرية العامة للآثار والمتاحف وهم ينقذون الآثار من مدينة تدمر في آخر يوم قبل السقوط.

99% بخير..!

وأضاف: قضيتنا لم تكن قضية واحدة بل كانت في عموم سورية وأنا أؤكد بأن 99% من مقتنيات المتاحف السورية بخير وأننا أنقذناها فقد بدأ العمل في العام 2012 في آخر أيام الصيف بدأنا أعمال نقل القطع الأثرية لأنه كان في بالنا ما حصل في بغداد 2003، حتى لا يتكرر سيناريو بغداد وأؤكد مجدداً أن السجلات المتحفية تحوي كل القطع الأثرية الموجودة والداخلة إلى المتاحف وهي موجودة في الكتاب الأسود، وفي أول أسبوع من بدء الإغلاق بدأنا بتصوير سكنر لجميع السجلات فحتى لو احترق كتاب ما فهو موجود، وقمنا بنقل السجلات المتحفية كلها إلى دمشق وثانياً تم نقل أكثر من 300 ألف صورة حديثة وهذا الشيء أعطانا مصداقية أمام المجتمع الدولي وأمام اليونسكو، واليوم لا تعترف اليونسكو إلا بالمديرية العامة للآثار والمتاحف كشريك في العالم ومن يريد أن يساعد بصفة مؤسساتية أو بصفة شخصية يمكن له، ولكن لابديل عن المديرية وذلك لأن الإجراءات التي قمنا بها كانت إجراءات حاسمة ولدينا 2500 موظف وكل الدوائر في المحافظات تعمل باستثناء الرقة. 

وتحدث عن دور المجتمع المحلي موضحاً أن الموظفين هم أبناء المجتمع المحلي وهم يتعاطون مع النخب الثقافية والفكرية والاجتماعية وأننا وضعنا تجربة جديدة للعالم بأنه عندما تغيب السلطات الحكومية في المنطقة لا نغيب نحن باعتبارنا أصحاب هوية وقلنا للعالم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة.

وقدمنا كما قدم الشعب السوري 15 شهيداً على رأسهم خالد الأسعد وفقد عشرات الموظفين عائلاتهم وبيوتهم ولكنهم لم يتركوا أماكن وظائفهم وبقينا مستمرين لوحدنا من دون مساعدة من أحد في العالم كمديرية عامة للآثار والمتاحف بمخصصاتنا الحكومية وقد خاطبنا الشعب السوري أن نختلف في السياسة وأن لا نختلف بالتراث وبالهوية الجامعة لنا.

وهذا الشيء ترك صدى قوياً وأنا أؤكد بأننا نملك علاقات استثنائية على المستوى العالمي فنحن أكثر مؤسسة عالمية اليوم تحظى برحابة صدر اليونسكو والعالم تحرك معنا لأنه اقتنع 100% بأنه هناك جريمة تحدث بحق المديرية العامة للآثار والمتاحف بسبب الحصار

دور المديرية 

وحول حجم الدور الذي تلعبه المديرية في ظل توجه اليونسكو للعمل على استعادة المدينة وترميمها قال:

نحن لدينا أكثر من 400 مهندس ومن قام بأعمال الترميم في قلعة الحصن في 2014 وفي حمص ومعلولا تم كل ذلك بإشرافنا العلمي وقمنا بإنجاز القطع الأثرية وكلها كانت بجهود وطنية سورية، وقد أرسلنا فريقاً من حوالي 30 شخصاً الى تدمر بعد أيام من تحريرها صوروا أكثر من 20 ألف صورة للمباني المتضررة وقمنا بإجراء أعمال احترازية في متحف تدمر من عمليات نقل وتجميع الرؤوس الموجودة على الارض لنعيد ترميمها مرة ثانية واليونسكو هي شريك دولي لأنها منظمة دولية ودورها جمع الدول بالرغم من الاختلافات والمديرية العامة هي الشريك الوطني الوحيد معها أي إن هناك جهتين الجهة المنفذة على أرض الواقع وهي المديرية العامة للآثار والمتاحف وصاحبة السيادة على القطع الأثرية أو المباني الأثرية وهناك الشريك الدولي المتمثل باليونسكو لتأمين الغطاء الدولي وحشد الرأي الدولي والعالمي ضمن خطط وبرامج محددة ونحن الآن في مرحلة توثيق وعمل إجراءات الترميم الاسعافي قبل مجيء الشتاء، فمدخل معبد بل واقف لوحده بحاجة الى تدعيم حتى لا يسقط لسبب آخر ونحن نقوم حالياً بإعداد الدراسات وحين تكون دراساتنا جاهزة ومصدقة من اليونسكو بعدها سننتقل الى عملية إعادة ترميم المباني التي دمرت على يد داعش في تدمر من خلال الأحجار القديمة الموجودة في المكان ولن نلجأ الى بناء مدن ومبانٍ حديثة في الموقع، كما افتعلها بعض الناس المضللين في فرنسا وغيرها والذين أرادوا أن يشوهوا صورة سورية وأرادوا أن لا يرفع الحصار وهم فكروا بأن هذا التعاطف الدولي وهذا التحرك الدولي سيكون من خلال بوابة تدمر رفع الحصار عن سورية وفتح العلاقات والخ…

أكاذيب وأضاليل

حاولوا أن يشوهوا الحقائق واتهام سورية وروسيا واليونسكو بأنهم يريدون تحويل مدينة تدمر الى مدينة ملاه وكل تلك الامور هي أكاذيب وأضاليل ونحن أعلنا نداء على موقع المديرية العامة للآثار والمتاحف منذ أكثر من 15 يوماً أوضحنا أن سياستنا حالياً هي سياسات توثيقية سياسات متعلقة بموضوع حصر أضرار ووضع الدراسات والقيام بالأعمال الإسعافية وأعتقد أن جميع الشركاء الدوليين وعلى رأسهم روسيا والاتحاد الاوربي مستعدون لتقديم التمويل عن طريق اليونسكو وبعض الدول الأخرى وأنه أكثر من 10 دول قدمت الدعم كما أكد لي وفد اليونسكو البارحة بأن أكثر من 10 دول أبدت استعدادها تقديم الدعم لمدينة تدمر من خلالي ومن خلال المديرية العامة للآثار والمتاحف داخل سورية أي أن كل شيء سيكون عن طريق المديرية العامة للآثار والمتاحف.. لن يكون هناك سياسات بل سنقرر سياسات المديرية وهذا موضوع سيادي مرتبط بسيادة المؤسسة داخل الحكومة السورية وسنقوم بهذه الإجراءات لكن هناك من يعيث فساداً من خلال نشر الاضاليل وأننا سنعيد بناء مدن حديثة وأضاف: أحيانا في بعض أعمال الترميم نحتاج بعض الأحجار الحديثة لنسند المكان وندعمه وهذا ترميم وليس إعادة بناء نحن لم نقل إطلاقاً إننا سنعيد تشييد معبدين على طريقة العصور القديمة نحن سنحاول أن نفعل المستحيل لإعادة الألق لهذه المباني المتضررة بالمقارنة مع مرحلة ما قبل داعش.

لن نعود الى ما قبل داعش وعلينا أن نكون واقعيين ستكون هناك بصمات داعش الإجرامية موجودة عبر التاريخ وهذا ليس خطأ حتى نبين للأجيال ماذا فعل الدواعش في مدينة تدمر وحتى لا نشوه الطبيعة التاريخية للمدينة ومبانيها الأثرية وسنحافظ على أصالة المكان وفق المعايير العلمية المتبعة عالمياً وفق تجربتنا كمديرية عامة عبر 100 عام من عمرها وفي النهاية نحن أفراد موجودون اليوم وقد لا نكون غداً ولكن المؤسسة موجودة ويجب أن تكون قوية.

إن 30% من الصحافة العالمية متعاطفون مع تحرير تدمر ومتعاطفة معنا ولكن دائماً يوجد من يحاول التشكيك بمصداقية المؤسسة والحكومة والشركاء واتهامنا بمحاولات جعلها مدينة ألعاب.

كما تحصل المديرية على دعم وتعاطف أكثر من 100 عالم دولي أيدوا رؤية المديرية على رأسهم العالمان باولو ماتييه و جورجيو بوتشيلاتي، وأنهم مستعدون للانضمام الى جهود المديرية في العمل.

وأشاد د.عبد الكريم بمهنية الجيش العربي السوري في عملية التحرير ما لم يدع مجالاً لتدمير المدينة أثناء التحرير وواجهنا انتقادات حول الترميم، فالبعض قال في هذا الوقت يحتاج الشعب للأموال أكثر في محاولة لخلط الأمور الإنسانية مع الأمور التراثية في سبيل تضليل الرأي العام لكنهم لم يستطيعوا.

وأكد أن المديرية لم تكن محترمة في يوم من الأيام في عيون المنظمات الدولية بقدر ما هي عليه اليوم لأنهم اكتشفوا ما فعلته المديرية أيام الحرب.

سنتعامل مهنياً مع معبد بل

وعن معبد بل قال د.عبد الكريم:

زرت المكان ودخلت إليه وسط الأنقاض يوجد جزء لا بأس به يمكن إعادة ترميمه بالحد الأدنى حوالي 40% وعلينا أن نكون واقعيين لا يمكن أن نعيد الأمور كما كانت حتى لا نشوّه طبيعة المكان لكن أؤكد من خلال المهندسين والصور والبيانات والزيارة الشخصية أنه يوجد أجزاء كاملة في المكان لازالت موجودة مثل المدخل العملاق وقواعد وأساسات الغرف الأربع وجزء مهم من المحراب الشمالي، أما الأعمدة فهي مضعضعة على الأرض وليست متحطمة كما اعتقدت إحدى الفرنسيات بأنها أصبحت «بودرة» فهذا غير صحيح لكن أعتقد أننا سنصل بطريقة علمية الى ما لا يقل عن 40% من ترميم معبد بل، مع التنويه إلى ضرورة عدم الخلط بين معبد بل وهيكل معبد بل فالمعبد بشكله العام ليس فيه أضرار بل نتحدث عن هيكل المبنى المركزي في وسط الساحة وليس كل المعبد، مع العلم أنه في وقت سابق قد أخذت للمعبد وكل تفاصيله وموجوداته صور ثلاثية الأبعاد بواسطة شركة فرنسية خاصة صديقة صورت ووثقت هيكل معبد بل حجراً حجراً وبكل تفاصيله.

تعقيب المحرر:

التزمنا في إعداد هذه المقالة بالضبط الدقيق للتصريحات ضمن سياقاتها، مبتعدين عن تحليل ما بين السطور لأن ما جاء فيها واضح، فكلنا يدرك حجم الجريمة التي ارتُكبت في تدمر وجلِّ مدننا الأثرية على أيدي العصابات الإرهابية -ومنها «داعش»- من دون غض النظر عن أن بعض أبناء المجتمع المحلي في المناطق الساخنة –ومنهم موظفون- لم يكن بحجم الثقة التي مُنحت إليه بخصوص الحفاظ على التراث، فزجّ بهوية تراثه في أتون حربٍ تستهدف التراث ضمن ما تستهدفه تلبيةً لتكبيرات من يرطنون بالعربية…

أما حلفاؤنا في هذه الحرب فيعرفهم القاصي والداني وهم على أهبة الاستعداد للإسهام في ترميم آثارنا المتضررة وليس التمويل فحسب، ومنهم من تولّى بحرص كبير نزع ألغام سيناريو التفجير الشامل لآثار تدمر وسحب فتيلها في الوقت المناسب، لكن من تركوا «داعش» يزحف باطمئنان من الشرق السوري إلى تدمر ويدمِّر فيها أثمن ما تمتلكه الهوية السورية من عناصر–رغم أنه لم يكمل السنة فيها- إنما ينتمي إليهم الـ»مئة عالم دوليّ» (المتعاطفون مع قضية تراثنا)… والمثالان المذكوران –أي «ماتييه» و»بوتشيلاتي»- بإمكانهما التأثير حتى على «اللوبيات» العالمية، وبالتالي قد تنعم آثار تدمر حينها بنجاة ما تفوق نسبته 80%…وبلا أدنى شك فالنسبة المذكورة –ولو كانت تفتقر إلى المهنية والدقة العلمية كمثيلاتها- ممتازة في خضمِّ الحديث عن «جمع رؤوس التماثيل في متحف تدمر» ورؤوس الشهداء الذين قاوموا داعش في ساحات المدينة من الأهالي… ونقصد أن نقول إنه لو صحّت النسبة المئوية المذكورة بعد هذا الغزو الهمجي الإجرامي لتدمر فإن الله عزّ وجلّ وليس «داعش» يكون قد تغمّد المدينة بواسع رحمته، وبالتالي فلن تختلَّ كثيراً النسبة المئوية العامة لسلامة آثارنا حسب التصريحات الرسمية، ولو أن الحديث عن «سجلات متحفية و»سكنر» للسجلات المتحفية وصور فوتوغرافية وأخرى ثلاثية الأبعاد من شركة فرنسية خاصة صديقة» يُشعرنا بصدمة وخيبة أمل بعد سنوات من حديث مديرية الآثار عن توثيق معلوماتي ذاتي للآثار والمتاحف استدرج أضخم المِنَح…خيبة أمل زادت من وطأتها أخبار «مصداقيتنا الآتية من الصور» فحسب، وأخبار نسبة الـ 40% النهائية لمصير معبد بل، ولا ندري أي نسبة لمصير نظيره معبد بعل شمين. 

أما أعمال إعادة البناء والترميم وحصر الأضرار وتوثيقها والأعمال الإسعافية والاحترازية، فكلها مراحل سمعنا عنها في أوقات متقاربة وتصريحات متضاربة بعد تحرير تدمر، كما سمعنا من السيد المدير العام للآثار بأن تدمر ستعود كما كانت خلال خمس سنوات، وكان ذلك التصريح قبل زيارات الوفود العلمية للمدينة، أي قبل اطّلاعها على «رحمة داعش»(!)، فلماذا تراجعت عزيمة «إعادة المدينة كما كانت» طالما أن الأضرار بسيطة وأن صدر اليونسكو لنا، وطالما أن الوسائل السمعية والبصرية احتفظت ببصمات داعش وشهدت أنه مرّ من هناك؟

وأخيراً يسرّنا ويزيدنا فخراً أن تتمتع مديرية الآثار باحترام المنظمات الدولية الآن وفي كل أوان، لكننا لا نعتقد أن هذه المنظمات تبخس حق المديرية من الاحترام في فترات سابقة وخاصة الفترات التي تم فيها تعريف العالم بسورية الأثرية، مؤكدين –ختاماً- أننا لن نضطر إلى ترديد صيغة أن «المديرية هي الممثل الشرعي والوحيد للدولة السورية» لأن الدولة السورية موجودة وستبقى.

جهينة

Nobles News