الانحطاط بلغ القعر: تطييف الخبر بحثاً عن الإثارة

في أقل من 24 ساعة، كنا أمام حفلة جنون على المواقع الإلكترونية والشاشات. إنتشرت لغة الطائفية والمذهبية المقيتة كالنار في الهشيم، في عناوين ومضامين الأخبار المنشورة. هذه اللغة التي قفزت مع الإجتياح الداعشي الإلكتروني والميداني العسكري بعد موجة ما يسمى «الربيع العربي»، أسقطت كل المفردات المهنية، فباتت لغة التطييف الديني سمة المنصات الإعلامية. أخيراً، اجتاحت الشبكة العنكبوتية مجموعة أخبار وللأمانة أتت على الطريقة اللبنانية 6 و6 مكرر، متوازنة بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.

البداية مع موقع «أليتيا» الإيطالي، وشهادة المذيعة في قناة «الميادين» رولا بحسون التي تعرّفنا الى ديانتها في هذا العنوان: «مذيعة أخبار مسلمة: هذا ما قاله لي شربل ورفقا في الحلم… وهذه رسالتي إلى كل مسلم ومسيحي». والى مذهبها في متن الخبر «إنها شيعية ملتزمة». وطبعاً، ليست الصحافية بريئة تماماً من هذا الإستخدام، فهي أقحمت هذا التطييف ضمن المقابلة حين رددت بأنّها مسلمة وتزور مار شربل و«كيف أهداها سواراً مكتوب عليه عبارة «لا اله الا الله»». المقال المنشور أمس، سرعان ما انتشر بشكل مطرّد على المواقع الإلكترونية وعمل على نسخه حرفياً مع التفنن أكثر في العنوان. كتبت mtv «إعلامية مسلمة… أركع أمام مار شربل وأبكي». أما otv، فإرتأت أن تكون أكثر «وضوحاً»، و«شبرحة» عبر برنامج «بالعربي المشبرح» مع تقرير عن هذا المقال بعنوان: «الإعلامية الشيعية رولا بحسون تتحدث عن رسائل مار شربل والقديسة رفقا»!.
بعد الإنتهاء من معرفة طائفة بحسون، أخبرتنا صحيفة «النهار» في اليوم عينه عن قصة «الرجل الدرزي السبعيني الذي شفاه مار شربل وهو على سرير مستشفى «عين وزين» الشوفية، في سياق لا يبتعد كثيراً عن مضامين ما تبثه الصحيفة العريقة بين الفينة والأخرى. والآن ننتقل الى العاصمة البريطانية التي احتفت أمس بميلاد الملكة إليزابيث الثانية، إذ تصدر عنوان «شابة مسلمة تعدّ كعكة ميلاد ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية» موقع «bbc عربي»، كأن من يعدّ ويطهو أو يقوم بأي عمل من الأعمال قد تؤثر ديانته على صنعته! والأنكى أن هذا العنوان يعيد بث روحية التفوق عند الغرب على العرب. الخبر نفسه نقلته «العربية»، لكن مع تفاصيل أكثر قد تهم القارىء النهم بأن الطاهية من الجنسية البنغالية وتدعى ناديا حسين وهي «مسلمة محجبة» عمرها 30 ولديها 3 أولاد، والأهم أن طولها 150 متراً!
هكذا، وبمشهدية بسيطة رسمت في الساعات الأخيرة، من قلة في المهنية واستغباء لعقل القارىء، أقحم التطييف الديني في صناعة الخبر، كأنه بات من بديهياته، سعياً وراء الإثارة والإنتشار السريع، بشكل يودي بنا الى مزيد من الإنحطاط المهني والأخلاقي.

sddefault23

Nobles News