لو أن رئيس الحكومة يعيش بيننا؟

على عكس ما هو مفترض، فقد باعدت الأزمة بين المسؤول والمواطن إلى درجة القطيعة أحياناً، وخلقت بينهما حواجز كثيرة، بعضها صنعها المسؤول بحجة تداعيات الأزمة الأمنية، وبعضها الآخر كان ناجماً عن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن، وجعلته يتقوقع ويبتعد عن متابعة الشأن العام.

ولا ننسى بالطبع مسؤولية العقليات الإدارية التي آثرت الاختباء والابتعاد عن المواطنين، إما لعدم امتلاكها ما تقدمه للمواطنين، أو لعجرفتها وفوقيتها وتورمها الذي بلغ مرحلة "الانفجار".

أمس، وككل المناطق التي زارها رئيس الحكومة أو أي مسؤول رفيع في الدولة، كانت إحدى ضواحي العاصمة على موعد مع زيارة تدشين لرئيس الحكومة. كما هي العادة استنفرت جميع الجهات، فنشطت قبل يوم واحد أعمال تنظيف الشوارع والحدائق، إصلاح شبكة الإنارة العامة، إزالة البسطات والمخالفات على الشوارع الرئيسية وغيرها.

قد لا يتحمل رئيس الحكومة المسؤولية المباشرة عن مثل هذه الظواهر، إنما مسؤوليته أنه لا يقوم بجولات مفاجئة على المناطق التي سبق وزارها، في ضواحي العاصمة أو في المحافظات الأخرى، ويشاهد واقعياً حجم الإهمال وتردي الخدمات ومعاناة المواطنين، التي تشتد كلما ابتعد المرء عن مركز المدينة.

لكن ماذا لو أن رئيس الحكومة كان يسكن في صحنايا، أو جرمانا، أو الكسوة، أو قطنا، أو جديدة عرطوز، أو غيرها؟ هل كان واقع الخدمات سيكون على ما هو عليه اليوم؟ وهل كانت يوميات المواطن ومنغصاتها ستبقى كما هي؟.

دون شك، كان الواقع سيكون مختلفاً..وعندئذ فقط كانت ستظهر إمكانيات وقدرات جديدة للوحدات الإدارية، ودوائر خدمات الدولة في المنطقة التي يسكنها رئيس الحكومة، خاصة إذا كان رئيس الحكومة من هواة ممارسة رياضة المشي، والتجول في الشوارع خلال فترة استراحته.

وليس هذا فحسب، بل إن كثير من القرارات الحكومية، التي أثرت بشكل أو بأخر على الوضع المعيشي للمواطنين، ما كانت لتتخذ بهذه السرعة، وربما كانت ستأخذ منحاً مختلفاً عما أخذته، كمشروع "عقلنة "الدعم مثلاً، الذي تحول إلى مشروع لإلغاء الدعم، بينما كان يمكنه أن يكون مشروع لإيصال الدعم للطبقات الفقيرة وذات الدخل المحدود.

ومع ذلك، وبالنظر إلى صعوبة سكن رئيس الحكومة بيننا، فإن البديل يكمن في الاعتماد على سياسة التقرب من المواطنين والانفتاح على همومهم ومشاكلهم، سواء عبر الزيارات الميدانية المفاجئة، أو تفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة لتكون مرآة المواطن لا المسؤول، وابتكار قنوات جديدة للتواصل مع المواطن، كالمشروع الذي قدمه الفريق التنفيذي للحكومة الالكترونية ونام في أدراج بعض المعنيين برئاسة الوزراء، رغم أن الحكومة لن تتحمل أي تكلفة مادية، وربما هذا هو السبب!!.

هامش1: طالما نتحدث عن التباعد الحاصل بين المواطن والمسؤول، نشير إلى ظاهرة الإجراءات التي تتخذ لدى وصول أو خروج أحد المسؤولين إلى ومن مكتبه الكائن وسط العاصمة، إذ يوقف السير تماما في جميع الشوارع المحيطة بالمبنى، للسيارات والمشاة على حد سواء…والسؤال كم مواطن يستقبل هذا المسؤول يومياً؟ ولماذا يمنع المشاة من المرور ويحشرون أحياناً على الأرصفة؟ هل يمكن تبرير مثل هذه التصرفات وغيرها الكثير بالإجراءات الأمنية الاحترازية فقط؟.

هامش2: بعض المسؤولين ممن يتحدثون أحياناً باسم المواطنين الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة،لا يقابلون ولا يشاهدون مواطنين إلا في المطاعم والمقاهي وحفلات الكوكتيل!!.

سيرياستيبس

Nobles News