منذ أن رحلت الشاعرة الصحفية “ماري عجمي” عن هذه الدنيا قبل خمسين عاما اعتزم الباحث عيسى فتوح جمع شعر هذه الأديبة الرائدة والمناضلة العنيدة وتحقيقه ونشره في ديوان يحمل اسمها ولا سيما بعد أن توفي أهلها وأقرباؤها كلهم في سورية ولبنان ومصر ولم يبق من يهتم بجمع أشعارها وخطبها ومقالاتها الكثيرة التي نشرتها في مجلتها “العروس” وغيرها من المجلات والصحف التي كانت تصدر في النصف الأول من القرن العشرين في الوطن العربي.
رغبة الباحث فتوح والكثيرين من المعجبين بشعرها بنشر ديوانها تحققت للمرة الأولى في طبعة أصدرتها الهيئة السورية للكتاب بعد أن كان المعجبون بشعرها يبحثون عنه بالحاح ولا يعثرون إلا على أجزاء منه موزعة في بطون المجلات والكتب التي توقف أكثرها عن الصدور ولم تعد موجودة إلا في المكتبات الوطنية ومراكز الوثائق التاريخية والمتاحف العربية والعالمية.
وتحدث فتوح في مقدمة الديوان الذي جمعه وحققه عن كيفية تعرفه بماري عجمي في ستينيات القرن الماضي وألقى عدة محاضرات عنها وكتب عنها مقالات كثيرة ليعود اليوم ويكتب بشكل مفصل عنها مبينا الدور الوطني المهم والفعال الذي لعبته إبان الاستعمارين التركي والفرنسي إذ ارتبط اسمها بشهداء السادس من أيار فزارت السجون ورأت بأم عينها الأوضاع السيئة التي كان السجناء السياسيون زمن الاحتلال التركي يعانون منها.
ثم استعرض في الكتاب الواقع في 147 صفحة سيرة حياتها ودراستها للتمريض في الجامعة الأمريكية ببيروت 1905 واتجاهها للتعليم في المدرسة الروسية بدمشق وانتقالها الى الاسكندرية حيث عينت مديرة لمدرسة الأقباط وعودتها بعد ذلك إلى دمشق لتؤسس النادي الأدبي النسائي في حي القصاع بدمشق ثم جمعية نور الفيحاء وناديها وكانت المرأة الوحيدة في جمعية الرابطة الأدبية كما درست الأدب العربي في مدرسة دار السلام بدمشق وعربت عدة روايات عن الانكليزية.
واحتفلت بها الأوساط الأدبية فأقيم لها يوبيل فضي في بيروت سنة 1926 بمناسبة مرور 25 سنة على كفاحها وعملها في ميادين الخطابة والكتابة والصحافة كما تم تكريمها في مدينتي حيفا ويافا وفازت بجائزتين من الإذاعة البريطانية.. وتوفيت عام 1965 عن سبعة وسبعين عاما.
وتحت عنوان “أديبة الشام” كتبت الأديبة وداد سكاكيني أن شعر ماري عجمي الرقيق يفيض من حسها الدقيق الذي يوحيه اليها ملاك لا شيطان فالشيطان للشعراء من الرجال .. واتخذت ماري اسلوبا في الكتابة والحديث شاع في آثارها وكلامها وهو اسلوب التهكم الذي كانت تصيب بلمحاته الخاطفة مالا يصيب غيرها بالنقد والتعبير والحديث المكرور.. وأبرز ماعرفت به هو صراحتها التي لا تصطنع فيها مداراة ولا مداورة ولئن تجنى عليها من تجنى فإنها لم تعدم من أهل الأدب والوفاء من يقدرها قدرها ويذكر فضلها.
أما الأديبة كوليت خوري فاعتبرت ماري عجمي واحدة من أهم الأديبات السوريات في القرن العشرين إلا أنها لم تأخذ حقها من التاريخ ولم تحتل المكانة التي تليق بها فقد استطاعت بمفردها أن تصدر في دمشق سنة 1910 مجلة مهمة سمتها “العروس” واشتهرت هذه المجلة وانتشرت في زمن كان الرجال فيه يعجزون عن إصدار مجلة جيدة وتحملت بمفردها الأعباء المادية والتحريرية للمجلة على مدى 25 عاما إضافة إلى أنها كانت مناضلة حقيقية تحمل الوطن في كيانها .
وضم ديوان ماري عجمي أربعا وخمسين قصيدة تنوعت موضوعاتها بين وصف الطبيعة التي ضمنتها مشاعرها وأحاسيسها كتحية الربيع “إلى بنفسجة” مأتم الورد “غناء الطير وردة الصيف الأخيرة .. ووصف الأماكن” لبنان الحنون “دمشق الجميلة -في حديقة بغداد” كما تناولت في أشعارها مشاعر الحزن والأسى والوحدة والذكريات مثل “ظلم لعل للأرواح -أرق -تصوف -دوحة الذكرى” وتطرقت إلى مواضيع أخرى مثل “المذياع وشاح حواء –في الراديو- أمل الفلاح” .
وفي مطلع قصيدتها “دمشق الجميلة” كتبت عجمي تقول : “دمشق إذا غبت عن ناظري .. فرسمك في حسنه الزاهر .. مقيم على الدهر في خاطري”.
سلوى صالح