احتفاءً باليوم العالمي للتراث الذي يصادف الثامن عشر من نيسان، وبمناسبة ترشيح دمشق (مدينة مبدعة في الحرف التقليدية والفنون الشعبية) في شبكة المدن المبدعة لدى منظمة اليونيسكو، وبرعاية وزير الثقافة عصام خليل ومديرية التراث الشعبي، أقيم مهرجان أيام التراث السوري الثالث في خان أسعد باشا بدمشق، متضمنا المهرجان تكريم عدد من الفنانين والحرفيين والباحثين في التراث الشعبي، ومعرضا للفن التشكيلي من وحي تراث دمشق للفنان نذير بارودي، ومعرضا للوحات في الخط العربي للفنان الخطاط فرج آل رشي، ومعرضا لكتاب التراث الشعبي، ومعرضاً حياً للحرف التقليدية، وذلك بمشاركة فرقة تخت شرقي النسائية، وحضور فنانين وحرفيين وباحثين ومهتمين.
دمشق مدينة مبدعة
تم افتتاح مهرجان أيام التراث السوري الثالث بحضور معاون وزير الثقافة بسام أبو غنام الذي أشاد بحضور الحرفيين والفنانين المشاركين مشجعاً إياهم على تمسكهم بعراقة حرفهم وأصالتها قائلا «تحت عنوان دمشق مدينة مبدعة نحن نهيئ المهرجانات التي ستتم في السنة القادمة كي تدخل دمشق كمدينة مبدعة في منظمة اليونيسكو عام 2017، وفي هذا المهرجان بالذات نحن نتوجه لمن ليس له تراث أو حضارة لنؤكد أن سورية هي بلد الحضارة ومن هنا نؤكد أن السوريين هم أصحاب الحضارة وهم أسياد العالم بالثقافة والعلم والحضارة، كما أشير إلى أن الوزارة تسعى جادة إلى تزويد كل الحرفيين بما يحتاجون إليه، كما أنها تواظب لتكريس الثقافة التراثية والحرفية في سورية من خلال الكثير من المشاريع وورشات العمل التي سيتم الاستعانة فيها بالخبراء في هذا المجال لتعليم الأطفال واليافعين الحرف التي اندثرت أو تأثرت بسبب الأزمة، كما أن الوزارة تسعى جادة للتنسيق وخلق تشابكية مع وزارات التعليم العالي والسياحة والتربية كي يتم تعليم الحرف أكاديميا وإيصالها لأكبر شريحة ممكنة».
ليس دمشقي الأيام
انطلق مهرجان أيام التراث السوري الثالث من خان أسعد باشا في دمشق مستمرا حتى الرابع عشر من الشهر الحالي مسلطا الضوء على التراث الدمشقي العريق بأنواعه، ومن مديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة المديرة أحلام الترك أشارت «هذا المهرجان هو المهرجان الثالث في أيام التراث السوري الذي اعتدنا الاحتفال به في اليوم العالمي للتراث، فتزامنا لهذا اليوم قمنا بمهرجان أيام تراث سوري ولم نكتف بشهر نيسان بل على مدار العام وفي كل المحافظات، فمثلا في نهاية هذا الشهر لدينا مهرجان أيام التراث في طرطوس وفي الشهر الثامن لدينا في حلب وطبعا لكل محافظة خصوصيتها في الاحتفاء، فمثلا بما أن طرطوس تمتاز بالزجل ففيها أمسيات زجل وبما أن دمشق تمتاز بالحرف التقليدية والفنون الشعبية، المهرجان اليوم لتسليط الضوء على أهم الحرف التقليدية وعلى التراث الفني الذي قدمت شيئاً من وحيه فرقة تخت شرقي النسائية، وما يميز المهرجان هذه السنة هو ترشيح دمشق لتكون مدينة مبدعة في منظمة اليونيسكو، ويشمل المهرجان هذه السنة معرض فن تشكيلي من وحي تراث دمشق للفنان نذير بارودي، ومعرض لوحات في الخط العربي للفنان الخطاط فرج آل رشي، وكل عام يكون هناك إقبال هائل ومتميز ومفاجئ من الناس العطشى لتذوق هذا التراث، وبالطبع لا يمكن تجاهل تأثيرات الأزمة فهناك من غادروا سورية وهناك من فقدوا محالهم وورشاتهم وحتى مخازنهم وكلها أمور أثرت بشكل سلبي، وهذه المهرجانات والاحتفاليات تقام كي تعزز روح المثابرة عند الحرفيين، وما تقوم به الوزارة بالوقت الحالي هو تذكير الناس بأهمية تراثنا وحرفه كخطة لإعادة تسليط الضوء عليها كي تبرز بين حضور العامة وتترسخ بأذهان الناس».
فلتكرمني الوزارة بعد موتي
أثناء افتتاح المهرجان تم اختيار مجموعة من الحرفيين والباحثين والفنانين لتكريمهم أثناء المهرجان مع منحهم شهادات تقديرية ومبالغ رمزية، ولكن سادت خيبة ممزوجة بمرارة التجاهل لدى البعض وخصوصاً بأن الأسماء المكرمة هي قليلة وحتى من بين من تم تكريمهم قال لي ممازحا «لقد تمّ تكريمي لأني الوحيد على قيد الحياة في هذه الحرفة»، طبعاً الأمر محزن وخصوصاً أن أكثرية المعمرين متقدمون في العمر، ولكن الفكرة هل هذا التكريم كاف لدعم الحرفيين وهل هذا المهرجان سيكون فاعلا بتنشيط الحرف التي غفت مجبرة بفعل الظروف والغلاء ونقص الأيدي العاملة، أو ربما سيكون مع الجهود المبذولة قادرا على إحياء حرف نسيها الزمن على الرغم من ندرتها وأهميتها عالميا، الحرفيون المشاركون يتمتعون بطيب أصالة عريقة كما هي منتجاتهم وكان هذا واضحاً عند الحرفي المكّرم فايز تلمساني وهو مبدع في حرفة الزجاج المعشق «عمر هذه الحرفة في دمشق أكثر من ألفي سنة ولقد تعلمتها منذ عام 1964 في وزارة الثقافة بمركز الفنون التطبيقية وكانت في البداية هواية ثم تحولت من هواية إلى حرفة وأنا أعيش من مردودها ولكن للأسف الشديد الأيدي العاملة في هذا المجال شبه معدومة ونتمنى من الوزارة أن تعيد أمجاد سورية من خلال هذه المهن العريقة، فدمشق تمتاز عن العالم كله بهذه المهنة بالذات وبأنها تصنع قطعاً كاملة لا يمكن فكها وهي كنوافذ خارجية ومن ناحية الألوان لا تتأثر أبداً على الرغم من اختلاف المناخ والحرارة والأمطار، إضافة إلى أن جماليتها من الداخل والخارج واحدة وفي العالم كله ولم يستطع أحد أن يصممها غير السوريين».
هويتنا وعلينا أن نحافظ عليها
ما تعرضت له سورية من بداية الأزمة وحتى الآن لم يكن بالسهل على الجميع وخاصة على الحرف التقليدية وكل ما يتعلق بالتراث والسياحة فكل المنتجات تراجعت للأسف ليس بسبب سوء التصنيع على العكس بل بسبب غلاء المواد وعدم توافرها إضافة إلى فقر اليد العاملة وحتى انعدام السياحة العامل المحرك والأقوى، ورغم كل التحديات وفي مواجهتها كان هناك من ضعفت إرادته وكانت ظروفه أقوى منه فحمل حقيبته ورحل وبالمقابل كان هناك من جعل من أدواته جذورا متشبثة في بلده رافضا الرحيل، هذا ما عبر عنه الحرفي عرفات أوطة باشي «أنا حفيد الحرفي الراحل محمد أديب أوطة باشي وجدي هو علم من أعلام حرفة الرسم النباتي على الخشب العجمي وقد تم تكريمه في المهرجان، وأنا أتابع هذه الحرفة من بعده وكل العائلة تعمل بهذه الحرفة، وكان جدي معروفاً بلقب أبو سلمان وكل من تعلم هذه الحرفة إما تعلمها من جدي نفسه أو من أشخاص كانوا تعلموها عند جدي ورغم أنني مهندس مدني كنت قد تعلمت هذه الحرفة وحتى أحافظ عليها فأنا في الوقت الحالي أعلمها لأولادي وللآخرين، ولأجل ذلك نحن فتحنا دورات في التكية السليمانية لتعليم هذه الحرفة خوفا من أن تنقرض وهناك إقبال شديد على التعلم وأغلبهم طلاب من كلية العمارة والصيدلة، في الوقت الحالي ما يهم هو عدم انقراض هذه الحرفة والحفاظ عليها ولو كان الهدف ماديا لكنا هاجرنا بسبب الظروف الحالية ولكن هذا مرفوض بالمطلق، ووزارة الثقافة لا تترك أي مناسبة إلا وتتابع الحرفيين وتهتم بهم كما أن وزارة السياحة تعمل على دعم هذه المهن التراثية وذلك بإقامة أسواق في التكية السليمانية وهذا ضمن المتاح ونحن نطلب الأكثر ولكن هناك أولويات وخاصة أن الحرفيين هُجروا أو هاجروا وفقدوا محلاتهم وبمجرد أن تستطيع الوزارة تأمين فرصة عمل لهم أو مشاركة بمعرض في الوضع الراهن فهذا ممتاز».
موروث عائلي ولن يكون محتكراً
شهد المهرجان تنوعا رائعا للحرف سواء أكانت من اختصاص ذكوري أو نسائي حتى بين الحرفيين كان فيه حضور لحرفيين صغار وهم فعلاً من اليافعين يقومون بالنقش على النحاس أو الحفر عليه وتطعيمه بالفضة فهذا أمر يبعث بالأمل ويشجع على فكرة أنه رغم كل شي هناك استمرارية، محمد السيد «عمري تسعة عشر عاماً وأنا أعمل بحفر النحاس وتطعيمه بالفضة ومنذ طفولتي كنت أتعلم في ورشة أبي، أنا طالب في السنة الأولى في كلية الاقتصاد ولكني أحب أيضاً هذه الحرفة وخاصة أننا وحيدون في السوق في دمشق، وللأسف في ظل الأوضاع الراهنة الطلب خف بسبب تأثر السياحة أيضاً وغلاء التكلفة ما انعكس عليها سلباً».
إذا… ما دامت الرغبة حاضرة في تعلم الحرف التقليدية فلن يكون هناك مانع من تعليمها لشخص غريب عن العائلة التي تزاولها، الحرفي النحّاس محمد سعيد الحامض «لقد تعلمت عند جدي في سوق النحاسين وأنا أخذت الحرفة منه منذ نحو أربعين عاماً، وطبعاً نحن لا نحتكر هذه الحرفة لأولادنا فقط بل نسعى كي نعلم كل من يحب اكتسابها ولكن ما يعيقنا هو عدم مرونة المتلقين من الأطفال وتجاوبهم معنا وخاصة في حالات التأنيب الأمر الذي حدّ من التعليم، وفي الوقت الحالي نتمنى أن يتم إنجاز القرية النموذجية للحرفيين المميزين، وهذا المشروع كان بدعم خاص من الرئيس بشار الأسد، نتمنى أن يتم إنجازه لأنه سيقدم للحرفيين المحلات والتسويق المحلي والعالمي إضافة للمعارض ما يعرّف عن الحرفي ومنتجاته».
الوطن