قد يكون قليل خبرة وعديم تجربة ومتابعة أيضاً، من يعتقد أننا نفتقر لحلول ناجعة لمعظم أو جميع ما يعترينا من مشكلات، إن في المضمار الاقتصادي أو باقي أوجه نشاطنا وأعمالنا، بل أكثر من ذلك دائماً نجد –وهذا لا يحتاج إلى براهين- أننا نخرج بأكثر من خيار حلّ، لكن عند هذه الخيارات تتجمد المساعي وتنكفئ الجهود، ويكون الإحجام سيد “الطاولة” لأننا باختصار نحتاج إلى قرار جريء.
القضية الراهنة وذات الأثر الموصوف بالخطير ، تدور اليوم بصمت حول إشكالية الخلل في الموارد البشرية على مستوى القطاع الحكومي، وتلخصها التقارير المتداولة في الأروقة التنفيذية بعبارة نقص الكوادر.
ورغم واقعية الطرح في ظرف شديد الخصوصية اعتراه ما اعتراه من هجرة وتسرّب لأسباب مختلفة، إلّا أن الفجوة لم تصل بعد إلى نصف حجم القوة العاملة التي اكتظت يوماً في حنايا القطاع العام، وكانت مثار شكوى من الفائض الذي قدرته تقارير ذات الجهات الشاكية من النقص بحوالي النصف، واستتباعات أخرى كالبطالة المقنّعة وحسابات تتصل بأعباء خدمة بند الرواتب والأجور في قوام الموازنة العامة للدولة.
الواقع أننا أمام فرصة اليوم لإعادة النظر كلياً بشأن الوظيفة العامة، والتعاطي معها بـ “عقلية التاجر” بعيداً عن سرديات الدور الاجتماعي التي أرهقت مؤسساتنا بآليات تعيين رخوة، أدّت إلى فائض عددي مع نقص كفاءات حقيقية في الآن ذاته، وهذا أخطر ما يهدد بيئة العمل الحكومي على المدى الطويل..!!
ولعل المطلوب بإلحاح هو الإقلاع عن أسلوب المسابقات التقليدية ومحاولة ملء الفراغ المزعوم ببدائل ليست أحسن حالاً ممن بقي على رأس عمله واستنتجنا أنه قليل الخبرة ورديء الأداء، بل إعادة توزيع الكوادر بين مؤسسات الدولة، على اعتبار أن النقص في واحدة لا يلغي الفائض في الأخرى، مع إجراء إعادة تدريب وتأهيل مدروسة بعناية، يقترن بقاء الموظف موظفاً بنتائجها، لأن الميؤوس من تأهيله هو عبء على نفسه قبل “الحاضنة” التي احتوته، أي الأمور يمكن حلحلتها بمن بقي من موظفين تزيد كتلة رواتبهم السنوية عن 600 مليار ليرة سورية.
أما المهمة الأصعب والمتعلقة بالدور الاجتماعي، فنعتقد أن حلّها لا يكمن بعطايا ومنح على شكل وظيفة مقصودة لراتبها وليس إلا، وصاحب القصد يكون الحكومة وليس الموظف.. بل بمعالجات مختلفة كلياً عن التقاليد البائدة واستسهال أقصر السبل.
وإن كان ثمة من يرغب باقتراح للدراسة، فإننا نقترح بدلاً من تعيين موظف وضمه إلى طاولات البطالة المقنّعة، أن يُصار إلى منحه قرضاً يعادل مجموع راتبه لمدة خمس سنوات، وهي مدة عقود برنامج الخريجين الشباب، لكن بعد تهيئة بنك دراسات جدوى مضمونة للمشاريع “الميكروية” المتناهية الصغر، وتوزيع القروض وفق اختصاصات الخريجين، وهي قروض مستحقة الإعادة ومن ثم إعادة الضخ لخريجين جدد، ونجزم أن المشروع الواحد يشغّل أكثر من شخص فيما الوظيفة الحكومية محصورة بصاحبها، فأي الخيارين أفضل؟؟.
المهم أن نبدأ ونكف عن الجدل حول تعقيدات التوظيف وفرص العمل الحكومية، وإن أسعفتنا إرادتنا واعتمدنا مثل هذا الخيار، نكون قد لبّينا الاستحقاق الاجتماعي بكفاءة عالية، ونشرنا شكلاً بالغ الأهمية من أشكال التنمية الاقتصادية الأفقية، والأهم أننا نطوي صفحة فشلت كل الحكومات المتعاقبة في طيها، لكن حسبنا أن نملك جرأة القرار والبدء.