لابد أن إشارات استفهام كثيرة على كل متابع غير تقليدي رسمها حول انشغالنا المريب بسلسلة حكايا الدولار، واستسلامنا الأكثر إثارةً للشكوك بأن ثمة فاعلاً ما حاذقاً نجح في تنويمنا مغناطيسياً وتوليف تركيزنا – توجساً وربما شغفاً – نحو شعوذات الأميركي ولعبه “بأوراق الحظ الخضراء” التي تلقفناها ونحن سعداء بما خلناه نعمة؟!.
ولعلنا سهونا عن أن كل تصريح رسمي بخصوص سوق الصرف لا يزيدها إلا اشتعالاً واستعاراً، ونسينا أن المطلوب معالجات بعيدة كل البعد عن مجرد الكلام، وأن شتيمة الدولار لتبرئة الذات لا تزيده إلا قوة وشهرة و”نجومية” لأن صيت أخطر المشعوذين في التاريخ يوازي ويفوق أحياناً شهرة عالم فيزياء أو أديب لامع..!!
وإن كنا أكثر حكمة من الوقوع في فخ الاستخفاف بالدولار وسطوة أصحابه في عالم انصاع تماماً لـ “بريتون وودز”، فعلينا أن نكون حكماء أيضاً في تفادي الصدمات، ومن هنا علينا أن نبدأ الآن وليس غداً، لأن مجريات السوق تشي “بلغبصات” غير نظيفة وعلى الحكومة أن تتدخل بسرعة.. وسنقول ذلك بلسان من يقترح لا من يشكو ويندب بما أن ذلك لم يعد يغني ولا يسمن من جوع.
فهناك في أحد ضواحي دمشق تتموضع مؤسسة وطنية كبرى اسمها سوق دمشق للأوراق المالية.. تعمل بخجل وتستعرض بقاءها على قيد الحياة بحفنة زهيدة من التداولات، أحياناً لا تتعدى ثمن بدلة من الطراز الذي يحبه رجال أعمالنا ويسافرون إلى بيروت لشرائه..
في هذه السوق عشرات الشركات المُدرجة بآلاف الأسهم الرخيصة، وفيها فرصة لكل محبي الادخار والحفاظ على قيمة ما اكتنزوا كثيراً كان أم قليلاً، وعلى كل المتوجسين واللاهثين وراء اكتناز الدولار، أن يطمئنوا بأن أسهم هذه الشركات هي أوراق مضمونة كما سندات الخزينة في الدول التي تُهرّب إليها دولارات سوقنا، لأنها شركات محدثة برساميل تأسيسية تعود إلى شركات وحكومات هناك وليست مجرد شركات تابعة لبلد تعتريه حرب ماكرة.
غريب أن تتفرج حكومتنا على جنوح السوق وانجرافها وراء تيارات الدولار، التي تتسارع وبدأت تتحوّل إلى دوامة تكاد تغرقنا تماماً، وتترك سوق الأسهم للرياح التي تصفر في ردهاتها، رغم أنها أداة فاعلة لتخفيف الطلب على العملات “الصعبة” الآن…!!.
نحن على يقين من أن بعض رجالاتنا التنفيذيين يجهلون كلياً ماهية ما يمكن أن تؤديه البورصة من دور فعال في أزمة السوق الراهنة ومعمعة سعر الصرف، فماذا نقول عن مواطن أعمى الخوف بصيرته ولم يعد يرى إلا الدولار خياراً للنجاة؟!.
حسناً تفعل حكومتنا لو تبدأ من اجتماعها غداً بخطة لتوجيه عناية كل السوريين نحو سوق الأسهم، بالندوات والدعاية والترويج والتوضيح والشرح، فالمطلوب ورشة عمل كبرى على مستوى سورية، ولا بأس أن تكون نواة الانطلاق على شكل شيء يشبه الصندوق السيادي الحكومي للدخول بثقل في السوق، ولعل الوقت الآن مناسب جداً لأن الأسهم أرخص من الخضار وسعر بعضها أقل من سعر كيلو البطاطا، خصوصاً بعد تجزئة بعض الشركات للقيم الاسمية لأسهمها، وهي الشركات ذاتها التي كان الراغبون بالاكتتاب فيها “يتوسطون” النافذين فيها للفوز بخمسمائة أو ألف سهم، وحققت أسهمها علاوات وأرباحاًً بأضعاف أضعاف قيم الاكتتاب لكنها انتكست أو ساهمنا بانتكاستها بإهمالنا لها؟.
مطلوب الآن توجيه الطلب من سوق الدولار إلى سوق الأسهم، فالمغريات والأمان في الأخيرة أكثر..
المهم أن نعلم أن في سورية ملاذات آمنة لمدخرات المدخرين بعيداً عن الدولار “الشيطان” وعن أحضان شركات الصرافة وشركائها المضاربين “الشياطين أيضاً” وإن ظهروا بياقات بيضاء خادعة.