في الحديث عن القهوة، تتعدد الروايات الأدبية والدراسات العلمية، لكن ما هو ثابت حتى الآن وحسب دراستين طبيتين، يعد شرب القهوة وحتى أربعة أكواب يوميا أمرا صحيا.
وقد ظل الالتباس قائما بشأن القيمة الصحية للقهوة حتى عام 2015، حين أقرت إرشادات التغذية الصحية في الولايات المتحدة بأن القهوة جزء من نظام غذائي صحي.
وفي عام 2017، خلصت دراسة شاملة نشرتها مجلة الطب البريطانية إلى أن شرب القهوة أكثر نفعا وأقل ضررا.
وقد اعتمدت الدراسة على مراجعة مائتي دراسة سابقة، إذ خلص الباحثون إلى أن شاربي القهوة، مقارنة بمن لا يشربونها، يتعرضون بمعدل أقل لأمراض الأوعية الدموية والموت المبكر لأسباب مثل الجلطة والنوبات القلبية.
طريقة الإعداد؟
رغم ذلك تظل براءة القهوة من المزاعم السابقة عن أضرارها، مشروطة. فالأبحاث العلمية تركز الآن على طريقة إعداد القهوة، وهو ما يضع أنواعا محددة منها في قفص الاتهام. هذه الأنواع تضم كل القهوة المغلية (التركية – اليونانية) وهي الشائعة في بلاد الشام ومصر أيضا، كما تشمل القهوة السويدية التي يجري إعدادها عن طريق الغلي.
ويحذّر البروفيسور مولر من أن الحديث عن القهوة الصحية لا يكتمل دون الحديث عن طريقة إعداد القهوة، فغلي القهوة لفترة طويلة “يؤدي لترسب الزيوت الموجودة في حبوب البن،الأمر نفسه يحدث عند صب الماء المغلي على القهوة مباشرة، فكلما طال تسخين القهوة على درجة حرارة مرتفعة، كلما قلّت الفائدة الصحية لها، هذه الزيوت قد تؤدي لزيادة الكولسترول الضار”.
وقد حذّرت دراسة أمريكية من القهوة المغلية، لأنها تحتوي على مركبين هما كافيستول وكاهويول، وهما مادتان يعتقد أن وجودهما بكثرة في رواسب القهوة المغلية يزيد من ارتفاع الكولسترول.
ينطبق الأمر إذن على القهوة العربية؟ يقدم البروفيسور مولر جوابا مشروطا على هذا السؤال “الأمر الشيق بالنسبة للقهوة العربية هو إضافة بعض التوابل إليها مثل الهيل (الهال أو الحبهان) فهذه المادة عند إضافتها للقهوة ربما تقدم آثارا معادلة للحد من تأثير غلي القهوة.
ثقافة القهوة
في العالم العربي، تتعدد أنواع القهوة أيضا، لكن السائد منها هو القهوة العربية (الخضراء) ورمزها الدلة كما في منطقة الخليج، والقهوة التركية (المحمصة)، وهي الشائعة في مصر والشام وشمال أفريقيا ورمزها الركوة.
القهوة في العالم العربي ومنطقة المتوسط، لم تكن مجرد مشروب فقد استحالت وعلى مدى قرون إلى ثقافة وشعر وسهر ومصالحات وأغنيات.
في مقهى “لافانت” للكتب في غرب لندن، يصف سامح أسامي مدير المقهى، علاقة القهوة بالثقافة العربية “نحنا بالشام، إذا زعلان الواحد بيشرب قهوة، وإذا رضيان بيشرب قهوة، في الفرح نقدّم قهوة وفي المآتم نقدّم قهوة، هي جزء من حياتنا”. لكن مذاق القهوة الذي يفتقده سامح هو “قهوة الصباح” في دمشق بجوار “البحرة” – نافورة الماء- وصوت فيروز.
يعد سامح القهوة لي بنفسه، وفق ما يصر على أنه طريقة سورية مؤكدة، فهو يغلي الماء لمرتين ثم يضيف البن إلى الماء ويتركه ليهدأ قليلا ثم يعيده إلى النار ليغلي.
لكن عندما سألته عن أضرار القهوة المغلية، استنكر ذلك بشدة “القهوة المغلية عنصر أساسي بحياتي، إذا لم أتناول (ركوة قهوة) في الصباح، لا أستطيع إكمال نهاري. والدي عمره 86 عاما ويشرب القهوة المغلية كل صباح، ولم تتسبب له بأي أعراض صحية”.
الحديث عن فوائد وأضرار القهوة كان قائما، وربما سيظل مستمرا لأجيال، لكن المتفق عليه هو متعة القهوة بالنسبة لعشاقها، فهي المشروب الذي بات يحمل اسم مكان وأصبح عنوانا للتواصل واللقاء في كل مكان بالعالم تقريبا.
المصدر بي بي سي