«داعش» والسعوديون والنفط

هل كانت الهجمات في باريس من عمل إرهابيين إسلاميين متعصبين للانتقام من عدائها المعروف جيداً وتعصبها تجاه المسلمين؟ أم إن التكفيريين مجرد أدوات وما نتعامل معه حقاً هو الرأسمالية وبحثها الذي لا ينتهي عن أرباح أكبر؟. 
قد يبدو في ذلك للوهلة الأولى بعض المبالغة لكن مجلة «البيئي» نشرت مقالة مهمة جداً بقلم أوليفر تيكل في 15 تشرين الثاني الماضي يتحدث فيها عن الروابط بين «داعش» و«أوبك» ومحاولات تقليص استخدامنا للوقود الأحفوري. ونشرت صحيفة «فايننشال تايمز» قبل أيام مقالة مهمة أخرى بعنوان «شركة داعش: كيف يغذي النفط الإرهابيين الجهاديين»، قالت فيها: «النفط هو الذهب الأسود  الذي يموّل راية «داعش» السوداء. إنه يغذي آلته الإجرامية ويوفر الكهرباء ويعطي الإرهابيين قوة خطرة ضد الآخرين».
كلنا يعلم بأن «داعش» مدعوم- وحتى يتلقى السلاح- من الولايات المتحدة وزبونتي الأخيرة تركيا والسعودية، «على الرغم من الضربات الجوية الأمريكية التي نتفاخر بها ضد «أهداف داعشية» ولكنها غير فعالة بشكل استثنائي». ولكن هل تعلمون أن المنطقة التي يسيطر عليها «داعش»  في الشرق الأوسط توفر نحو 34-40 ألف برميل من النفط الخام يومياً. «يباع النفط عند المنبع لقاء ما بين 20 و45 دولاراً للبرميل ما يكسب الإرهابيين وسطياً 1,5 مليون دولار يومياً وفي حين اعتمدت القاعدة الشبكة الإرهابية العالمية، على الهبات من داعمين أجانب أثرياء، استمد «داعش» قوته المالية من وضعه كمنتج محتكر لسلعة أساسية تستهلكها أعداد كبيرة من الناس في كل مكان من المنطقة التي يسيطر عليها. وحتى لو لم يكن قادراً على التصدير، يستطيع النمو لأن لديه سوقاً حبيسة كبيرة في سورية والعراق.
وفي مقالته في «البيئي» لاحظ أوليفر تيكل أيضاً أن هدف «داعش» هو «تعزيز قبضته على المناطق التي يسيطر عليها وتوسيعها إلى مناطق وبلدان جديدة وإقامة ما يسمى «خلافة» تستمد قوتها ودخلها إلى حد كبير من النفط». ولكنه يلاحظ أيضاً صلة حيوية بين إنتاج النفط ومؤتمر المناخ الذي انعقد – أين؟ في باريس في تشرين الثاني الماضي هل هذه مصادفة!.
لا نعلم إلى أي حد سمحت الأحداث الرهيبة في باريس بحرف قادة العالم الذين اجتمعوا هناك عن التعامل بتصميم مع الحاجة الملحة لتخفيض الانبعاثات الكربونية العالمية قبل أن يصبح تغير المناخ متعذراً إلغاؤه, كان هناك من غير ريب إغراء كبير لنبذ مشكلة تغير المناخ المعقدة وبدلاً من ذلك إقامة «شو» كبير من معالجة مشكلة أخرى من صنع الإنسان مشكلة تحتل عناوين الأخبار بسهولة أكبر أي «الإرهاب الإسلاموي» ولكن، كما يلاحظ تيكل أيضاً، آخر شيء تتمناه البلدان المنتجة للنفط وكذلك «داعش» «هو اتفاقية عالمية بشأن المناخ تحد من الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري»، لأن ذلك يقلص الأرباح وهذا شيء مخيف بالنسبة لهم.
وكما لاحظ كارل ماركس، ما من جريمة يتردد الرأسماليون في ارتكابها من أجل تحقيق ربح كبير. وأرباح النفط (وكذلك الخسارة) نقود كثيرة كتبت صحيفة «فايننشال تايمز»: «تقدر وكالة الطاقة الدولية أن دول «أوبك» فقدت نصف تريليون دولار (نصف تريليون) من عائداتها منذ انخفاض سعر النفط من أكثر من مئة دولار للبرميل في أعوام 2011-2014 إلى المستويات الحالية «نحو ثلاثين دولاراً للبرميل» المشكلة الرئيسة هي أن السعودية تفرط في إنتاج النفط لكي تضع حداً للاستثمار وإنتاج النفط عالي التكلفة في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وبلدان أخرى، وبذلك تستولي على الحصة الأكبر من سوق نفط تعتقد أنه سيظل ينمو في العقود القادمة.
«تتنبأ سيناريوهات أوبك بزيادة الطلب على النفط من 111 إلى 132 مليون برميل يومياً في عام 2040 . ولكن وكالة الطاقة الدولية تعتقد أنه حتى القيود المتواضعة على الكربون ستسبب انخفاض الطلب على النفط إلى مئة مليون برميل يومياً وأدنى بكثير مع سياسات مناخية صارمة».
قد يكون «مشايخ» النفط السعوديون زبائن الولايات المتحدة- وهم فعلاً كذلك- ولكنهم اقتصادياً إمبرياليون أيضاً، يشير دعمهم المالي والعسكري لـ «داعش» بوضوح إلى أنهم يتوقعون أن تكون «خلافة داعش» دولة زبونة لهم وهم يسعون إلى بناء «امبراطورية» في الشرق الأوسط وإفريقيا. ومن هنا كان قصفهم لليمن «الذي لم يكلف بلد رأسمالي نفسه عناء التنديد به، ناهيك بمحاولة وقفه» والتدخل ضد ليبيا وسورية.
مؤتمر مناخ ناجح يتخذ قرارات ملزمة للحد من استخدام الوقود الأحفوري هو ما يريده علماء المناخ والنشطاء والرأي العام التقدمي في كل مكان وهذا في الحقيقة مطلب أساس.
ولكن هذا تحديداً ما لا يريده جميع المصدرين الرئيسين للنفط. هل تعتقدون أنهم يترددون في استدعاء المتعصبين المروّضين، جند الصدام التكفيريين، لارتكاب فظاعات ضخمة في قلب باريس كطريقة لتحويل قادة العالم بعيداً «بعضهم أصلاً إلى جانب شركات النفط بدلاً من البيئة» عن تغير المناخ؟ أو كطريقة لتخويف الكثيرين من بين آلاف النشطاء المتوقع سلفاً اجتماعهم في باريس من أجل التأثير في المؤتمر.
أعطى خطر المزيد من الهجمات الإرهابية المحتملة الشرطة الفرنسية حجة قوية لتقييد التجمعات الجماهيرية ومنع المسيرات.. الخ.
وسيكون الإعلام الجماهيري الرأسمالي قادراً على التركيز على قضايا الأمن و«الأنباء» ذات الصلة بدلاً من التشديد على نوعية النقاشات التي تتطلبها إلحاحية تغير المناخ.

تشرين

Nobles News